مجلة طلعنا عالحرية

النجاح بدأ مع نسرين من قرارها: سأبدأ من هنا ولن أعود مُجدّدا للوراء

بشرى البشوات 

لم يكن ذلك قراراً صائباً، هكذا خمنتهُ، لكنه يستحق المجازفة. هذا الهروب إلى المجهول، هروبي المزدوج محفوف بالبرد والفقد والمخاطرة الكبيرة بالنسبة لامرأة وأمّ لثلاثة أطفال أصغرهم في الرابعة والنصف من عمره.

“نسرين. ش” الطبيبة السورية التي قدمت إلى الكويت بعقد عمل كاختصاصية في الامراض الصدرية تبدأ حديثها بالقول: “ظننت بأنني استطيع أن أحصل على راحة قلبي أخيراً، على الاقل أنا في دولة عربية، وبعد فترة قد أتمكن من احضار الأولاد، لكن يقيني لم يكن في محله).

إذ وفجأة قرّرت إدارة المشفى الذي تعمل به “نسرين” عدم تمديد عقد عملها, وأصبح متوجّباً عليها مغادرة الكويت. استطاعت “نسرين” الاختباء لشهرين أو أكثر في بيوت زميلات لها خاطرنّ بفتح المجال لها لسرقة الوقت ريثما أو ربما لتتمكّن من أخذ موافقة كفيل جديد الأمر الذي يؤّمن بقائها في الكويت، أو بانتظار قانون جديد يصدر عن “مجلس الأمّة الكويتي” قد يُغيّر وضعها وأوضاع أمثالها ومثيلاتها من الوافدين للعمل, لكن- طبعاً- ذلك لم يحدث.

طوال هذا الوقت لم تفكر “نسرين” ولو للحظة بالعودة إلى سورية، وفي المقابل قرّرت الخوض في مغامرة جديدة. تقول: (زوجٌ في دمشق وثلاثة أبناء، ولا أستطيع العودة إلى سورية بعد استصدار مذكرة توقيف بحقي بسبب نشاطي المؤيّد للثورة في ضيعتي في بداية الثورة). وتتابع: (تركت في دمشق زوجي وأولادي ، يعمل زوجي مُدرّساَ في أحدى ثانويات دمشق، لذلك قلت سأبدأ من هنا ولن أعود مُجدّدا للوراء).

استطاعت “نسرين” في الكويت تأمين أمورها بما يكفي لتصل إلى تركيا. ثمّ انطلقت مع مجموعة من العائلات السورية من هناك بالطائرة إلى البرازيل، حيث قضت في مدينة “كوبا بالا” إسبوعاً كاملاً لتعود وتتابع رحلتها منه إلى مدينة “ساو باولو”، ومن مطار داخلي في هذه المدينة غادرت “نسرين” مع عائلة سورية أخرى إلى “السلفادور”.

تقول “نسرين” عن هذه المرحلة من رحلتها: (هنا شاهدت ما لم أشاهده سابقاً، وشكّل أكثر أيام حياتي رُعباَ وغرابة ، شاهدت مدينة مسكونة بالمجرمين والمُشرّدين واللصوص).

من مطار السلفادور طارت “نسرين” إلى إسبانيا، ووصلت العاصمة “مدريد” التي قضت في فندق صغير فيها ست ساعات لا أكثر، من السادسة مساءً حتى الثانية عشرة ليلاً، حين انطلقت إلى وجهة الرحلة الرئيسيّة “برلين”، العاصمة الألمانيّة.

(سافرتُ من مدريد إلى برلين، طبعاً خلال كلّ هذه الرحلات كنت قد استدنت مبالغ كبيرة من المال، وساعدني أخوتي بجزء منها، حين وصلت محطة “قطارات برلين الرئيسيّة” طلبت من أحدهم أن  يقطع لي بطاقة في القطار إلى مدينة “إيسن” حيث سألتقي هناك بأقاربي).

رغم صعوباتها لم تخل رحلة “نسرين” ممّا اعتبرته طرائف، وتقول عن أظرفها: (أطرف ما حدث معي أنني حين أردت التخلّص من جواز سفري لم استطع أن أرميه هكذا بالطريق، فكل الشوارع نظيفة  وأنيقة.  لذلك قمت بتقطيعه ووضعته في جيبي، وبينما كنت أمشي كنت أرمي ورقة في كل حاوية للقمامة أجدها).

في مدينة “إيسن” تمّ تحويل “نسرين” إلى أحد المخيمات المُخصّصة للاجئين, وكانت قد احتفظت ب (فلاشة) نسخت عليها صورة هويتها الشخصيّة وأوراق ثبوتيّة أخرى. في المخيم كان الوضع مأساويّاً، واضطرّت “نسرين” ولاجئون آخرون إلى الانتظار من منتصف الليل حتى السادسة صباحاً قبل أن يُسمح لهم بالدخول. تقول “نسرين” بقهر: (نقعنا خارجاً في البرد ومع درجة حرارة تقارب  الصفر).

بعد 26 يوماً قضتها “نسرين” في المخيم جاء الفرز، وحصلت على إقامتها في آذار 2015، لتبدأ برسم وعيش تفاصيل حياتها الجديدة، فسجّلت في أوّل دورات تعلّم اللغة الألمانيّة في آيار 2015 وانهت المستوى الإجباري الأساسيّ (B1) في تشرين 2015، في نفس الوقت الذي وصلت به عائلتها إلى ألمانيا بعد أن تمّت الموافقة على طلب “لمّ الشمل” الذي تقدّمت به “نسرين”، لكن في هذه الأثناء تعرّضت “نسرين” لأزمة صحيّة اضطرّتها لإجراء عمليّة دسك في الرقبة، خلال فترة النقاهة تابعت دراستها وتقدّمت لامتحان المستوى الثاني في اللغة (B2) ونجحت فيه.

خطوة “نسرين” الثالثة في حياتها الجديدة كانت بتعديل شهادتها, فقامت بمراسلة أصدقائها في الكويت الذي أرسلوا شهادتها إلى اخوتها في دمشق، وقام أحد أخوتها بتصديق الشهادات وترجمتها وارسالها إليها. فاتصلت بمعهد “ننبورغ الطبي” لإجراء دورة طبيّة، لكن المعهد اعتذر. لاحقاً نجحت “نسرين” بالالتحاق بدورة تدريبيّة من نيسان 2016 حتى أيلول من العام ذاته، وحصلت على شهادة القيادة في العام نفسه كذلك.

بعد أن تقدّمت لثلاث مقابلات عمل، تمّ الاعتذار عن اثنتين منهما، قبلت “نسرين” في مشفى “ würzburg” لفترة تجريبيّة مدة شهر، ثمّ استلمت عملاً ثابتاً في بداية 2017، وحاليّاً تعمل “نسرين” رئيسة لقسم الأمراض الصدرية في المشفى.

تقول “نسرين”: (يقوم رئيسي المباشر بدعمي بشكل كبير، أعاني أحياناً من مشاكل اللغة المحكية التي يستخدمها زملائي الألمان أحيانا لكنني أسير بخطوات جيدة).

نسرين جازفت واستحقت هذه المجازفة هذا النجاح .

Exit mobile version