اقتصاد

الموازنة السورية بين زيادة المبلغ وانخفاض قيمتها وانعكاسها على مؤسسات الدولة

النظام السوري فقد السيطرة على 71% من مؤسسات الدولة

كثيراً ما نسمع في أيامنا هذه عن كذبة المحافظة على مؤسسات الدولة، وكأن هذه المؤسسات هي من تحمي المجتمع السوري وتعينه في تسيير شؤونه، فهل حقاً ما يزال هناك مؤسسات في الدولة السورية؟

بعيداً عن تقييم ما يسمى بمؤسسات لدى الحكومة السورية من حيث فعاليتها وفسادها وتسخيرها لخدمة السلطة الحاكمة تحت شعار “إلى الأبد”، ومن خلال نظرة على واقع ميزانية الدولة، سنحاول البحث عن مؤسسات الدولة التي يحاول المجتمع الدولي الحفاظ عليها.

كما هو معتاد من كل عام، يتم إقرار موازنة الدولة للعام التالي، حيث تبين الموازنة بشكل مسبق خطة الحكومة في توزيع الموازنة ومقدرات الإيرادات المتوقعة، ومن أهم ما تبينه الموازنات الحكومية هي التغييرات في نسب الدعم للقطاعات المختلفة من صحة وتعليم وبنى تحتية ومشاريع اقتصادية وغيرها.

إلا أن في الحالة السورية تغيب دائماً النسب، وتختفي التفاصيل لتصدر موازنة برقم مع عدد كبير من المواد المرقمة والفقرات التابعة لها، محشوة بكلمات وتوجيهات اشبه بالطلاسم، فلا يعلم قارئ هذه الموازنة كيف يتم توجيهها وما هي النتائج المرجوة منها.

فاصل ترفيهي:

 من المضحك ان نرى في إقرار الموازنة لدولة مادة مخصصة للتأكيد على وجوب دفع مؤسسات هذه الدولة لفواتير المياه والكهرباء ورسوم الخدمات المختلفة التي تقدمها مؤسسات الدولة نفسها، هذا ما ورد على سبيل المثال في إقرار قانون موازنة عام 2011، نقتبس منها التالي:

“المادة (6)

أ- تعتبر نفقات البريد والبرق والهاتف واستهلاك القدرة الكهربائية والمياه من النفقات الالزامية ولايجوز النقل منها وتصرف خلال مدة لا تتجاوز خمسة أيام من تاريخ تقديم مستندات الصرف العائدة لها.

ب- يجوز لوزير المالية تحريك حسابات الجهات المدنية للغايات المحددة في الفقرة( أ ) بما يعادل الالتزامات المترتبة عليها.

ج- تطبق أحكام الفقرتين( أ – ب) من هذه المادة على الوزارات والإدارات العامة والهيئات العامة ووحدات الإدارة المحلية والبلديات والدوائر الوقفية والجهات العامة ذات الطابع الاقتصادي والإنشائي.”

وبعد هذه الفقرة يستوجب السؤال حول قوانين عقود الاشتراك في الخدمات إن كانت مخصصة لتحصيل مستحقاتها من المواطنين فقط حتى استدعى الأمر أن تصدر مادة مخصصة ضمن الموازنة تؤكد على وجوب دفع المؤسسات لفواتيرها، مع ملاحظة أن هذا الإلزام كما يبدو خاص بالمؤسسات ذات الطابع المدني، وبمعنى آخر يمكن تفسيره على اعفاء المؤسسات الأمنية والعسكرية من هذه الالتزامات.

وبعيداً عن التدقيق في التفاصيل المموهة التي تضيع فيها الكثير من الأموال وتشرع الفساد، لنلقي نظرة على الموازنات العامة، حيث أصدرت العديد من الصحف والمواقع الإعلامية المتخصصة بالاقتصاد خبراً عن تحديد مجلس الوزراء السوري بشكل أولي لموازنة الدولة السورية لعام 2017، وقد بلغ حجم الموازنة 2660 مليار ليرة سورية، منها 1982 مليار ليرة للإنفاق التجاري، و678 مليار ليرة للإنفاق الاستثماري.

وبنظرة سريعة على موازنات الأعوام السابقة نرى ما يلي:

عام 2011: اجمالي الموازنة 835 مليار ليرة سورية

عام 2012: اجمالي الموازنة 1326.55 مليار ليرة

عام 2013: اجمالي الموازنة 1383 مليار ليرة

عام 2016: اجمالي الموازنة 1980 مليار ليرة

ومن خلال النظرة الأولية لموازنات الأعوام الماضية نجد ما يلي:

في بداية عام 2011 كان سعر صرف الدولار الأمريكي 48 ليرة تقريباً، وبذلك كانت موازنة عام 2011 بالدولار الأمريكي 17 مليار و359 مليون دولار

وفي الربع الأول من عام 2012 تأرجح سعر صرف الدولار الأمريكي ما بين 60 إلى 95 ليرة، أي بمتوسط تقريبي 77.5 ليرة للدولار الواحد، وبذلك كانت موازنة عام 2012 بحسب متوسط سعر الصرف بالدولار الأمريكي 17 مليار و116 مليون دولار، أي بواقع نسبة زيادة عن العام السابق 58.86% بالعملة السورية لكنها بواقع انخفاض 1.39% بالدولار الأمريكي.

جدير بالذكر أن ميزانية عام 2012 كانت تعتبر ميزانية تحدي بالنسبة للحكومة السورية، وقد شهد مطلع عام 2012 قرارات مرعبة على الواقع الاقتصادي السوري، منها طرح ملايين الدولارات من الاحتياطي النقدي للبيع لتفادي انخفاض قيمة الليرة السورية، مما دفع الكثير من التجار وعوام الناس إلى تبديل أموالهم خوفاً من القادم المجهول، ويقدر حجم الاحتياط النقدي للبنك المركزي السوري قبل عام 2011 ما بين 16 إلى 18 مليار دولار، وفي آخر عام 2011 كان البنك المركزي قد فقد ثلث الاحتياطي بحسب رويترز، وبذلك تظهر أن الزيادة الجنونية في عام 2012 تحديداً كانت بمثابة مرحلة تسعى فيها الحكومة لإنقاذ اقتصادها، ليتبعها الانهيار كما سنرى لاحقاً.

بداية عام 2013 وصل الدولار إلى 94 ليرة، لتبلغ قيمة اجمالي الموازنة 14.71 مليار دولار، بواقع انخفاض 14% عن العام السابق، وهكذا تتوالى زيادة الميزانية بالليرة كل عام مقابل انخفاض قيمتها وصولاً إلى ميزانية العام 2017 المقدرة حالياً ب 2660 مليار ليرة، والتي تساوي 4.94 مليار دولار أمريكي، وبالتالي تكون ميزانية العام 2017 قد انخفضت عن مستوى ميزانية عام 2011 بما يعادل 71.54%.

وبتوضيح مبسط يمكننا القول بأن النظام السوري لم يعد بإمكانه تمويل 71% من متطلبات مؤسسات الحكومة السورية مقارنة بعام 2011، فما هي هذه المؤسسات التي يجب المحافظة عليها؟!

تبدوا المحافظة على 29% من بقايا مؤسسات الدولة الفاسدة أشبه بإعادة اعمار بناء مدمر على نسبة 29% فقط من بقاياه المتهالكة، فهل يصح ذلك؟

Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

To Top