في اجتماع مناقشة إصدار جريدة طلعنا عالحرية أول سنة 2012، كنت ضدّ الفكرة ضمن أقليّة خسرت التصويت لصالح بدء إطلاق الجريدة، ثم كنت ضمن أقلّية أخرى صوتت على اختيار اسم الجريدة الوليدة..
وقتها كانت اجتماعاتنا الدورية في لجان التنسيق المحلية في سوريا قد انتظمت أسبوعيّاً، بعد أن كانت لقاءات التأسيس وما بعدها يومية، وكثيراً ما كانت متواصلة؛ لا تعرف لها أولاً من آخر.
كان بيننا أدباء وصحافيون محترفون وأصحاب خبرات سابقة.. ونشطاء متحمّسون لإيصال أصوات غيَّبها إعلام خشبي لا وظيفة له إلا تلميع من أوجده.. أو سمح بوجوده!
وكما العادة، يتخامد الزخم المرافق للبدايات، وتزدحم الالتزامات والشاغلات مع مرور الوقت ومرور الأحداث. والكتّاب الذين وعدوك بالعمل للمجلّة يدعمونك بمادة أو اثنتين ثم يعودون لجرائدهم ومجلّاتهم، ولا تملك إلاّ أن تشكرهم -صادقاً- وتعذرهم.. ثم تبحث عن غيرهم. أما الناشطون الذين عملوا دورات متخصّصة في تركيا ولبنان وغيرهما فبالكاد تسمع منهم بعدها.
في أي عمل، عندما يخبو المسوّغ قد لا تنجح دائماً بنفخ الرماد عنه أو بإيقاد غيره.
وكجزء من الثورة المخذولة، تلقينا عدة ضربات ومثبطات، ليس أسوؤها إحراق نسخ المجلّة أكثر من مرة في مناطق (محررة)، أو منع توزيعها مع جرائد ثورية مثلها.. حتى إن عوائق أخرى أدّت لتوقفنا عن الصدور مرتين. ولا زال يضنينا وجع غياب (بالأحرى: تغيّيب) الزميلين رزان زيتونة وناظم حمّادي وهما نصف الكادر.. بل أكثر!
رغم أن مجلّتنا ليست يوميّة ولا حتى أسبوعيّة، إلاّ أننا في كلّ عدد نشعر أننا نتحدّى توم كروز شخصيّاً بإنجاز جزء آخر من (المهمة المستحيلة). ولا أنكر هنا إعجابي بإصرار دوريات زميلة أكثر تواتراً، لا شكّ أن عندها مشاكلها ومعوّقات عملها، ولكنها لازالت تصدر في موعدها. وسأسجل أيضاً تقديري لرفيقة الدرب ليلى، (معلمتي) كما عودتنا رزان أن نناديها، فهي الوحيدة التي حافظت على كمية كافية من العناد كانت -لأوقات متكررة وليست قصيرة- الوقود الوحيد للاستمرار.
تطبع المجلّة الآن بالتعاون مع الشبكة السورية للإعلام المطبوع وتوزّع في الشمال السوري المحرّر.
وفي الغوطة الشرقية، حيث مكتب المجلّة، ورغم حلحلة الحصار المضروب عليها مؤخراً (أقصد على الغوطة)، لم ننجح بعد بإعادة الطباعة والتوزيع داخلها. وهناك منظمة في الغوطة تعمل -مشكورة- على طباعة وتوزيع مشترك لمجلاّت الأطفال، إلا أننا لازلنا نبحث عمن يقبل بطباعة طلعنا عالحرية (على مسؤوليته!!).. وذكرياتنا بطباعة المجلّة تحت الحصار مريرة أيضاً.. فمع صدور كل عدد كنا ندوخ السبع دوخات حتى نجد الورق اللازم للطباعة، ثم ندوخ أكثر منهن حتى نؤمّن الحبر.. ناهيك عن تأمين آلة الطباعة والكهرباء.. بل حتى الخرازة التي نجمع فيها ورقات الجريدة لتأخذ شكل الكراس..
وفي كل مرة نشعر أننا نخترع الطباعة (بل الكتابة!!) من جديد.
نكابر ونواسي بعضنا بأن نستذكر -من قراءات قديمة- أن المهاتما غاندي قبل قرابة مئة عام كان يصدر جريدة تحت الاحتلال البريطاني ويسهر مع ثلّة قليلة لينسخوها كتابة بخط اليد؛ نسخةً نسخة! ولا يثنينا من يضيف للصعوبات العملية أخرى معنوية كأن يقال: إن “هذه الجرائد لا يقرؤها إلاّ من يصدرها.. وإنها مدعومة من منظمات أجنبية، وهذا (الدعم) هو سبب استمرارها إن لم يكن سبب صدورها أصلاً”! أو: “بدل الجريدة وزّعوا على الناس ربطة خبز أو كيلو طحين” أو غيره..
لا أذكر ذلك للتفاخر بسجل من الإخفاقات وغياب الاحتراف، خاصّة أننا ندعي أن هناك سجلاً آخر مقابلاً سطره الإعلام البديل، ونفخر بكوننا جزءاً منه. ولا زلنا نعتبر أننا نقوم بواجبنا، ممتنين لكل من يشاركنا هذه الرحلة ولو بكلمة طيبة يكتبها على صفحاتنا أو يقرؤها منها.
في هذا العدد (الجزء 60 من المهمة المستحيلة!) تناولنا الإعلام المطبوع في ملفّ خاص. بالإضافة لمواد أخرى متنوعة.
ناشط وصحافي، رئيس تحرير مجلة طلعنا عالحرية، ومدير مكتبها في دوما / الغوطة الشرقية سابقاً، إجازة في الآداب من جامعة دمشق قسم اللغة الإنكليزية، مدير مكتب الحراك السلمي السوري في ريف دمشق.