مجلة طلعنا عالحرية

المقاتلات السّوريات

لؤي ياسين

فرضت الحرب إيقاعاتها القاتلة على مشهد الحياة السورية، وذلك منذ اندلاع الثورة في سوريا منتصف آذار2011، وخاصة على النساء السوريات وهنّ الضحيّة الأكبر للنزاعات بالرغم من أنهنّ الأكثر فاعليّة في لم شمل (العائلة/ الوطن)؛ فالحرب أفرزت أجساماً عسكرية مقاتلة قوامها متطوعات لحمل السلاح وإثبات دورهن في الميدان العسكري إلى جانب الرجال، نساء كسرّن الصورة النمطيّة لدور المرأة في الحرب والذي كان سابقاً يقتصر على المرأة الطبيبة والممرضة والطبّاخة والأم الثكلى وهي صور تفرضها كل حرب.

– المقاتلات تحت مظلة النظام السوري:

إذ وبالرغم من أنّ الكليّة العسكريّة للبنات في سوريا تأسست منذ العام 1982، فإنّه وبعد اندلاع الثورة السورية حصل شيء مختلف، كانت بوادره عبر فيديو على موقع يوتيوب بتاريخ 7/1/2013 يحتوي على عرض عسكريّ نسائي تحت مسمّى (لبؤات سوريا الأسد- الدفاع الوطني). تلاه بتاريخ 23/1/2013 تقرير على إحدى القنوات الفضائية العربية يعرِضُ مقاتلات يتدّربن على السلاح في أحد المراكز بمدينة حمص، واللواتي تمّ توزيعهنّ لاحقاً للوقوف على الحواجز وتفتيش المارة من نساء أو وسائل نقل.

خارج التشكيل الرسمي الحكومي، وجدت نساء مقاتلات في تشكيلات مختلفة منها كتبية تحت اسم “بنات الحرس الجمهوري”، والتي قالت إحدى مقاتلاتها في لقاء تلفزيوني من خط النار إنها قتلت 11 مسلّحاً من قوات المعارضة قنصاً، خلال يوم واحد على أطراف مدينة داريا في دمشق، وقدّ نالت وساماً من قائد وحدتها العسكريّة على ذلك. كما وجدت مقاتلات في تشكيل يسمّى (الجبهة الشعبية لتحرير لواء اسكندرون- المقاومة السوريّة) بقيادة “معراج أورال المعروف بـ “علي كيالي”، ولعلّ أشهرهن المقاتلة (سيفان) الملقّبة “أبو علي” التي تنحدر من مدينة كسب. عدا عن تشكيل سرية “القنّاصات” وكذلك كتيبة “المغاوير النسائية” التي التحقت فيها النساء بعقود تطوّع لمدة عشر سنوات غير قابلة للإنفكاك، وقد وصفنّ انتسابهنّ “انتقاماً لمقتل إخوة وأهل وأقارب لهنّ في الجيش النظامي السوريّ”، غير أنهنّ لم يأتينَ على ذِكر الأجر الشهري لهنّ.

اللافت بهذه الفصائل أنها تستخدم سلاح “الآر بي جي”، والقناصات، وكذلك استخدام سلاح الدبابات، خلافاً لبقية التشكيلات النسائية مثل “الجبهة الشعبية لتحرير لواء اسكندرون” و”لبؤات الدفاع المدني” والتي تمتلك فقط البندقية الآلية “كلاشينكوف”.

– في الضفة الثورية المُسلحة:

تقول دعاء (أم سعيد) في ريف دمشق في لقائها مع محطة فضائية عربية إنها تعلّم النساء استخدام السلاح والقتال للدفاع عن أنفسهن، وكي لا يكنّ عالة على الرجال في المعارك أو خلال الاقتحامات التي يقوم بها النظام.

أمّا تاريخ تأسيسّ أوّل كتيبة نسائية لدى فصائل المعارضة السوريّة المسلّحة فيعود إلى 25/4/2012 في العاصمة دمشق باسم “أم المؤمنين عائشة” وذلك انتصاراً لأعراضهن، كما ذكرت المقاتلة التي تلت بيان تشكيل الكتيبة بفيديو على اليوتيوب، نُشرَ بتاريخ 26/4/2012. بالرغم من انتشار أخبار تفيد بوجود مشاركة نسائية قتالية في درعا بتاريخ سابق.

بفيديو آخرعلى اليوتيوب بتاريخ 18/6/2012 تمّ الإعلان عن كتيبة “بنات الوليد”، والتي حدّدت مهامها بتدريب “الحرائر”على حمل واستخدام السلاح، ومعالجة الجرحى، ومتابعة جرائم النظام ونشرها لفضحه، وحماية أنفسهن. وأشارت المتحدثة إلى أنهنّ لا يتبعن إلى أيّ جهة.

إضافةَ لذلك تشكّلت كتيبة منضوية في “المجلس الثوري لمدينة النبك” بتاريخ 2/1/2013 مطلقةَ على نفسها “كتيبة سميّة بنت خياط” رغبة منهن للجهاد في سبيل الله حسب تعبيرهن. وفي حيّ “صلاح الدين” بمدينة حلب، أُعلن في فيديو نُشرَ على اليوتيوب انضمام سريّة “أمنا عائشة” إلى كتيبة “الصادق الأمين”، إلّا أنها تحوّلت لاحقاً من سريّة إلى كتيبة لا تنتمي لأي فصيل آخر بتاريخ 23/6/2013. تتكوّن الكتيبة ممن يستخدمن القنّاصات، ومدافع الهاون محلية الصنع، للوقوف إلى جانب الرجال والدفاع عن الحريّة وإسقاط نظام الأسد، كما ذكرت قائدة الكتيبة “أم عمر” والتي تحمل شهادة الماجستير في الأدب الانكليزي، حيث كانت تنوّه في أغلب التقارير التلفزيونية التي أجريت معها إلى أنّ مقاتلات الكتيبة هنّ من المثقفات وحملة الشهادات الجامعية. وتبدو الكتيبة الأكثر تدريباً بين الكتائب النسائية المعارضة الأُخرى، وكذلك فقد شاركن بدوراتٍ طبية على الإسعاف حسب قولهنّ.

المعارضة مثل النظام استفادت من المشاركة النسوية في توظيفهنّ على الحواجز؛ ففي حلب فإنّ كتيبة “الإخلاص” النسائيّة قوامها العديد من النسوة اللواتي يقفن على حواجز لتوقيف السيارات والمارّة، وتوقيف شبيحة النظام، وأيضاً المطلوبات في قوائم يملكنها بحسب ما ذكرت “أميرة الكتيبة” في تقرير تلفزيوني لإحدى المحطات الفضائية. علماً أنّ هناك الكثير من الحالات الفردية من اللواتي قاتلن بشكل منفرد ضمن كتائب الرجال مثل “القنّاصة أم جعفر في كتيبة صوت الحق” في حلب.

– داعش وأخواتها:

خاض تنظيم “داعش” غمار تشكيل كتائب نسائية، فأوجدّ “كتيبة الخنساء”، وفتح باب التنسيب لها لتسييرهن كدوريات لإلقاء القبض على النساء غير المنقبات في مدينة الرقة، ومعاقبتهن وجلدهن، إضافة لتفقّد هويات النساء. وأفادت الأنباء بأنّ غالبية نساء الكتيبة هنّ من غير السوريات حيث ذاع صيت “أم ريان التونسية” أميرة الكتيبة، والسجّانة “أم حمزة”، علماً أنّه وبحسب تقرير تلفزيوني فإنّ أجر المنتسبات لا يقل عن المئتي دولار أمريكي.

في حين يُلحظ غياب المقاتلات عن “جبهة فتح الشام/ النصرة سابقاً”، حيث لم يرد أي اسم لامرأة تقاتل في صفوف الجبهة. حيث لم تتبع الجبهة استراتيجية “داعش” بتشكيل كتائب نسائية لمعاقبة النساء، واكتفت برجال وشرعيين يقومون بمحاسبة الناس بشكل عام.

بالمقابل فإنه نُشرَ فيديو على موقع يوتيوب بتاريخ 7/4/2015 يعرض جانباً من تدريبات بعض النسوة في معسكر “نساء النصر والتمكين” بحلب، وواضح من خلال حديث المسؤولة عن توضيح ما تقوم به النساء المشاركات بأنهن أقرب إلى “جبهة النصرة” أكثر من أي فصيل آخر.

– المقاتلات الكورديات:

تبقى التجربة الأبرز والأنضج وذات النتائج الكبيرة هي للمقاتلات الكورديات السوريات المنخرطات في “وحدة حماية المرأة” ضمن “وحدات حماية الشعب الكُردية” الذراع العسكري لحزب “الاتحاد الديموقراطي الكُردي” التي أُعلن عنها في تموز 2012.

ففي أواخر عام 2014 خاضت المقاتلات الكورديات معارك طاحنة ضد تنظيم “داعش” انتهت بهزيمة التنظيم في “كوباني”، وقد ذاع صيت تلك المقاتلات في أرجاء العالم لقوتهنّ وصلابتهن في إدارة تلك المعركة وحسمها، وتعتبر أفضل القوات النسائية في سوريا بسبب خبرتها القتالية العالية، ومعرفتها باستخدام مختلف صنوف الأسلحة الخفيفة والثقيلة، وذلك مردّه إلى عوامل عدّة أبرزها قدَم التجربة القتاليّة للمقاتلات الكرديات.

Exit mobile version