إن الأمن، يعني السلام والطمأنينة، وديمومة مظاهر الحياة، واستمرار مقوماتها، وشروطها بعيداً عن عوامل التهديد، ومصادر الخطر، وبحكم الدلالة العامة والشاملة لهذا المعنى في كل ظرف وزمان ومكان، فقد أصبح الأمن المطلب الأول لكل الكائنات الحية، والهدف المحرك لنشاطاتها، والمتغير الحاكم لتفاعلاتها وعلاقاتها.
وضرورة الأمن كشرط لازم لحياة الإنسان أمر أكدته وأعلنته ليس فقط النصوص البشرية فحسب بل وحتى النصوص الدينية، قال تعالى في محكم تنزيله “الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”.
ولأهمية وجود الامن لاستمرار الحياة البشرية فإن مهمة إيجاد الأمن والحفاظ عليه أوكلت لأهم تنظيم أوجده الفكر البشري وهو الدولة، ولذاك فإن مهمة الأمن هي مسؤولية الدولة ومؤسسات السلطة العامة فيها وبشكل حصري. أما في حالات الصراعات التي تشهده الدول في المراحل الانتقالية فإن أولوية الأمن تتصدر كل شيء، ويصبح الأمن هاجساً يؤرق الجميع.
ونحن كسوريين عانينا ما عانيناه خلال المدة الماضية من الفقدان شبه التام لمفهوم الأمن بمختلف أبعاده بسبب إجرام النظام واستهدافه للمناطق الخارجة عن سيطرته وبطريقة جنونية، بجميع أنواع الأسلحة. طبعاً هذا الأمر جعل المناطق المحررة هي مناطق غير آمنة. ولكن الصورة للواقع الأمني لا يمكن حصرها ضمن هذا الإطار فقط؛ فتردي الواقع الأمني في المناطق المحاصرة لم يكن نتيجة سياسة الإجرام الذي ينتهجها النظام فقط، بل كان هناك مظاهر أخرى من عدم الأمان تمثلت أساساً بغياب القانون الناظم للقوى الموجودة داخل هذه المناطق، وغياب القضاء الفعال، وانتشار الجريمة، والاستقواء بالسلاح، خاصة في المرحلة التي كانت أعداد الجماعات المسلّحة بالعشرات وربما بالمئات. طبعاً هذا الواقع بدأ يتغير مع تغير في بنى القوى والتنظيمات الموجودة على الأرض؛ حيث بدأت تظهر مؤسسات تُعني بضبط الأمن كالشرطة والقضاء، رغم أن تجاربهما بحاجة إلى رفد بعوامل دعم وتمكين حتى يثبتوا فعاليتهم.
وفي نفس الوقت اتجهت غالبية الجماعات المسلحة باتجاه الانضواء تحت يافطة تنظيم عسكري كبير، مما ساهم في ضبط التجاوزات الفردية والتعديات على الأفراد بشكل كبير جداً. وفي هذه المرحلة شهد مفهوم المؤسسات الأمنية تطوراً خطيراً، تمثل في إنشاء ما يسمى المكاتب الأمنية، والتي هي مؤسسات أنشئت أساساً بوجه حق لكي تكون سدّاً أمنياً في وجه محاولات النظام لاختراق الفصائل العسكرية، أو اختراق المجتمع الثوري بشكل عام. وكان لهذه المكاتب جهود لا تنكر في هذا الصدد، ولكن بطريقة لا واعية لم نستطيع أن نفرق بين مفهوم المؤسسة الأمنية المعنية أساساً برصد ومنع أي اختراقات من جهة عدائية تجاه بيئتنا الداخلية، وبين مفهوم الجهاز الأمني السيء السمعة الذي كان قد أنشأه النظام للتحكم برقاب المواطنين خلال فترة حكمه لأكثر من أربعين عاماً.
وعليه، بدأت تتسرب إلى هذه المؤسسات الأمنية تصرفات تتشابه مع تصرفات الأجهزة الأمنية في الفترة السابقة للثورة، وهو ما يعتبر تجاوزاً خطيراً جداً، قد يحمل في طياته مظاهر خطر كبيرة على شرعية وجود هذه المكاتب أساساً، وشرعية القوى والفصائل التي تقف وراء إنشاء هذه المكاتب. وعليه لا بدّ من العمل وبشكل جاد وسريع على إعادة توجيه بوصلة هذه المكاتب بالاتجاه الصحيح وهو اتجاه تحصين المجتمع والفصائل من أي اختراق من قبل النظام، وفي نفس الوقت إصدار لوائح ضابطة وناظمة لعمل هذه المكاتب والمؤسسات، إضافة إلى العمل على دعم وتقوية جهاز القضاء وجهاز الشرطة، بجيث تكون هذه الجهات هي الجهات المناط بها متابعة تحقيق الأمن الداخلي على مستوى المناطق المحررة.
كاتب وصحفي من داخل الغوطة الشرقية – ريف دمشق