Site icon مجلة طلعنا عالحرية

المعنى الجذري للربيع العربي / عدي الزعبي

في نقد المعارضة السورية

يرى بعض المعارضين السوريين أن ضعف الإدارة الأمريكية هو السبب الرئيسي لتقاعسها عن نجدة الشعب السوري، وأن إدارة قوية، كإدارة بوش، ستشن ضربات جوية ضد نظام الأسد، تمهيداً لإسقاطه، أو لإجباره على الدخول في مفاوضات جدية مع المعارضة. هذه القراءة تعزو غياب أي فعل أمريكي واضح في المسألة السورية إلى هذا الضعف المفترض في الإدارة الامريكية، وتقارن هذا الضعف مع قوة وتصميم إدارة بوش الجمهورية.

بشكل أعم وأوسع، يشاهد المرء يومياً معارضين سوريين يسعون إلى بناء شبكة علاقات دولية، ويعدون السوريين منذ ثلاث سنوات بتغيير كبير، يعود إلى هذه العلاقات مع قيادات السعودية وقطر وفرنسا وأمريكا وإنكلترا في حالة الائتلاف، وروسيا والصين وإيران في حالة هيئة التنسيق.

هذا كلام فاسد ومفسد. إن صح، فلن يجلب لنا إلا أمثال الجلبي وكرازاي ؛ وإن لم يصحّ، وهو واقع الحال، فهو وقت مهدور وترهات يرددها من يعيشون في الخارج على حساب السوريين .

لنتذكر أن الإدارة الأمريكية القوية التي غزت العراق دمرت ما تبقى منه بعد استبداد صدام الطويل. أية إدارة أمريكية قوية ستتدخل في الشأن السوري على طريقة بوش: تدمير ما تبقى من البلد، وقطع الطريق أمام أية إمكانية لإعادة بنائه. نستطيع أن نرى ما الذي تريده الإدارة القوية اليوم: قصف لمناطق الشمال السوري مع غياب كامل لأي بعد أخلاقي أو خطة مستقبلية تتيح للسوريين إعادة بناء ما تهدم. الأمر ليس مصادفة: الإدارات الأمريكية تتدخل في الشؤون الخارجية بناء على شبكة مصالح محددة. لا مكان لحرية الشعب السوري وكرامته في هذه الشبكة.

نقترح، بدلاً من الرهان على إدارات قوية أو ضعيفة في أمريكا، إعادة صياغة أهداف وتطلعات السوريين بما يتناسب مع منظومة القيم الأخلاقية العالمية. هذه المنظومة تتوافق حتماً مع تطلعات المواطن الأمريكي، ومع حسه البسيط والمباشر بالعدالة الإنسانية. على السوريين اليوم أن يعيدوا التأكيد على القيم التي انطلق منها الربيع العربي في تونس قبل ثلاث سنوات ونيف، وأن يتوجهوا إلى العالم بخطاب إنساني أخلاقي، يسعى أولاً إلى كسب الرأي العام لقضية محقة وأخلاقية. التوجه للرأي العام يجب أن يتم بشكل مباشر، بمحاضرات ومقالات ومؤتمرات ومظاهرات وفعاليات مختلفة ومتنوعة ومتعددة. هذا التوجه يجب أن يكون بمعزل عن الحكومات. لا فائدة ترتجى من مخاطبة الحكومات. هؤلاء يعاملوننا، بالمجمل، من منطلق المصالح الوطنية الاقتصادية للدولة؛ أو كمشاريع عملاء، تشبه المالكي وكرازاي وغيرهم.

العلاقة مع الشارع في دول الشتات، المستعد والمنفتح لنقاش حقيقي وعميق بخصوص القضية السورية  والفلسطينية وغيرها، أكثر أهمية بما لا يقاس، وأبعد مدى، وينخرط ضمن مشروع الربيع العربي بمعناه الأعمق: مشروع التغيير، والتواصل، وإعادة السياسة للناس العاديين. هذا المشروع  له صدى واسع وحقيقي في الغرب وفي تركيا ومصر وتونس وغيرها من دول الشتات السوري.

ما وراء أوباما و إدارته، هناك فرصة لنا لخلق تغيير عميق، يعبر عما عناه الربيع العربي في جذريته من إعادة السياسة للناس العاديين وامتلاكهم ناصية القرار.

Exit mobile version