Site icon مجلة طلعنا عالحرية

المعتقلون.. شهداء أحياء / ليلى الصفدي

“3250 حالة وفاة في فرع المخابرات 215 وحده..” !

كان لمروان الناشط في لجان التنسيق المحلية ابن مدينة نوى كبرى المدن في محافظة درعا نصيبا في معايشة الموت داخل معتقلات النظام، ورغم الفترة القصيرة التي قضاها هناك إلا انه عمل على جمع الكثير من المعلومات المرعبة حول المعتقلات، وحول الفرع 215 / سرية المداهمة في كفر سوسه بدمشق بالذات..

ظلام السجن والألم والقهر لم يمنعوا مروان من اداء عمله فبدأ بإعداد تقرير عن ظروف المعتقلين داخل اقبية النظام.. فالعمل لم يعد خياراً أمام السوريين بل قدرا مفروضا لمحاولة الخلاص من الموت الجاثم فوق سوريا منذ سنتين ونيف.
لست هنا بصدد اعداد تقرير توثيقي لما رواه مروان فهذه مهمته حيث سيحال تقريره للجهات التوثيقية المعنية… انما كانت فرصة لإزاحة عبء الالم والذاكرة.

مروان الذي اعتقل فجأة بتاريخ 6 / 5 / 2013 خرج فجأة أيضا بعد ما يقارب الـ 40 يوماً ليروي لي قصص الموت والأمل.. “تم تسليمي لعناصر الفرع 215 حيث اقتادوني الى قبو تحت الارض، دخلت من باب اسود كبير.. لم اصدق ما شاهدته.. لم اصدق اين انا..! هياكل عظمية.. حفاة عراة.. ينتظرون الرحمة والفرج.. مرضى ممددين في ممرات السجن، دمائهم تسيل في كل مكان، وتكاد الامراض الجلدية تأكل اجسادهم النحيفة.. روائح كريهة في كل مكان”.

– هياكل عظمية ؟؟!!

“عظم وجلد.. رفيقي الله يرحمو كان طويل جسمو حلو وكتافو عريضة، لما فتت لقيتو شيلة والله.. لما ضمني احترق قلبي وما تحملت.. قمت بعدتو عني”..

ويكمل الرواية: “ادخلوني بعدها الى النظارة، كان الوضع افضل إلا أن الاعداد كبيرة حيث لا مكان للوقوف.. شاهدت اشخاصاً مصابين بالجنون.. علمت لاحقاً أن السبب ارتفاع درجات حرارتهم.
في اليوم الثاني استشهد احد الاشخاص بسبب ارتفاع درجة حرارته، اخرجناه من النظارة وادخلناه الى “غرفة الموتى”، كانت اعداد الموتى كبيرة.. تراجعت مذعوراً.. ماذا يحصل واين انا!!”

– غرفة بالمعتقل هي غرفة الموتى؟؟!
نعم

ويكمل: “في اليوم الثالث استشهد شخص اخر بنفس المرض، كان من مدينة حمص ولم يمض على اعتقاله سوى عشرة ايام”.
“تم نقلي لاحقاً الى مهجع اخر، ولم يكن الحال افضل. ثمانون شخصا في غرفة مساحتها 16 م مربع، كنا نعاني من نقص الغذاء ونقص الماء. حتى الدخول الى الحمام كان مهمه صعبة، فسعيد الحظ من يصل لهناك مرة واحدة في اليوم”.
“في اليوم الرابع التقيت اشخاصا من مدينتي، مدة اعتقالهم تجاوزت السنة والنصف، كان حالهم يرثى له، اخبروني انهم ينتظرون الموت.. !”.

علمت لاحقاً منهم أن ستة من اصدقائي استشهدوا داخل هذا الفرع منذ عدة شهور، لم يكن احد يعلم عن استشهادهم”.
“بتاريخ 3 / 6 / 2013 استشهد احد اصدقائي بعد صراع مع المرض دام لمدة عام كامل، تأثرت كثيرا.. لكن لا مكان للحزن هناك.. تابعت المهمة التي بدأت بها وهي اعداد تقرير عن هذا الفرع”.

“بتاريخ 6 / 6 / 2013 استشهد صديق اخر بعد صراع مع المرض دام ثمانية اشهر، بعدها بعدة ايام اعلن اسمي مع الاشخاص المفرج عنهم، كنت فرحا وحزيناً.. كيف سأترك 1800 معتقل يعانون المرض وينتظرون الموت.. !”.

“خرجت الى غرفة المدير العام ليتحقق من هويتي، كان التوقيت يقترب من منتصف الليل.. وضعوني امام الباب.. في هذه اللحظة بدأ اخراج الموتى من تلك الغرفة الى خارج الفرع.. كانت الجثث تُحمل على بطانيات عسكرية، وكل جثة تحمل رقم على جبينها، بدأت بقراءة الارقام.. كانت تتابعية، انتهى نقل الجثث عند الرقم 3250”..!!

– لحظة.. هل تقول انه مر من امامك 3250 جثة في تلك الليلة؟؟!!

“لا.. لا.. إنه عدد الوفيات في هذا الفرع منذ بداية الاحداث، لكنهم يتابعون الترقيم كل يوم بيومه.. “.

– كم جثة مرت من امامك؟

تسع جثث.. هم يخرجون الجثث على ورديتين، وردية الساعة 9 الصبح، والثانية بين 10-11 بالليل..”..
ويتابع وأنا في ذهول: “بعدها بدأ نقل بعض المرضى ممن طلبوا التحويل الى المشفى، وكانوا يحملون بنفس الطريقة على البطانيات، كان اصدقائي قد اخبروني ان الشخص المصاب الذي يطلب ان ينقل الى المشفى تتم تصفيته ودفنه في المقابر الجماعية، لم اصدق ولكن عندما بدأ نقل المرضى كانوا يحملون ارقام على جبينهم، وكانت الارقام متتابعة مع الموتى.. 3251 – 3252 وهكذا.. من المرجح أن هؤلاء قد اختاروا الموت هرباً من الألم.. ”

– اسماء هؤلاء الشهداء هل يوثقها المعتقلون؟ هل هي موجودة لديك؟

“السجن كبير كل ساعة حالة وفاة، أخبروني المساجين القدامى يلي بعدهم عايشين انو بشهر رمضان الماضي بيوم واحد طلعوا 46 جثة…

كل شخص يوثق اسماء الوفيات من ولاد بلدو.. وبدون تاريخ.. لأنو صعب هناك الواحد يعرف التاريخ او الساعة”.
أنا عندي فقط اسماء 8 من نوى، واحد من انخل، وواحد من نمر.. من انخل في 4 شهداء بس نسيت اسماء ثلاثة منهم”.

– كيف يموتون؟؟ من التعذيب.. من المرض.. ما هي الاسباب الأكثر شيوعاً؟

جميع المعتقلين تقريبا مصابين بالجرب، وقد كانت جميع ابوب المهاجع مفتوحه عن قصد ليختلط الشخص المصاب بالشخص السليم وينتقل المرض في جميع ارجاء السجن، وأكثر الأمراض التي كانت تسبب الوفاة:

* ارتفاع درجة الحرارة ونسبة 70 % يقضون بهذا المرض، وكلهم من المعتقلين الجدد.

* الإسهالات التي لا تعالج، وتستمر لشهور مع المعتقلين ونسبتها تقريبا 10 %.

* الخراجات والتهابات بسبب الضرب والتعذيب، تكبر ليصير قطر الخراج اكثر من 10 سم وتحفر في اللحم لتصل العظم .. نسبتها 10 %.

* تحت التعذيب 1%.

* امراض السكري والربو والمسنين 9%

– كيف احتملت كل هذا؟
كان عندي اصرار للخروج ونقل معاناة المعتقلين، كما انهم عندما علموا انني ناشط حاولوا تأميني وحرصوا في الحفاظ على حياتي.

– كيف يحتمل المعتقلون هذه التجربة اليومية مع الموت والألم؟؟ هل يندمون على مشاركتهم بالثورة؟
كان هذا السبب الرئيسي للأعداد الكبيرة من الوفيات.. فعندما يدخل المعتقل ويرى هذه المشاهد، ويفكر كيف سيمضي وقتاً مجهولاً على بلاطة لا يتجاوز عرضها 30 سم.. ينهار وترتفع حرارته ويعجز عن النوم حتى يُجن.. وبعد أيام يموت..
هناك من يموت بعد يوم واحد.. وفي اشخاص بعد اسبوع، وفي اشخاص تظل 10 أيام بهذه الحالة..

– المعتقلون الاحياء حاليا.. كيف ينظرون لوضعهم ولأوضاع الثورة؟؟ هل ندموا؟ هل ما زال لديهم معنويات ؟؟ هل نستطيع الحديث عن معنويات؟!
الهمة عالية جدا.. وهم ينتظرون الفرج.. ومتابعين للأخبار عن طريق السجناء الجدد.

– هل علي أن أصدق أن الهمة عالية جدا؟

“جدا جدا.. بس في نسبه لا تذكر عندها شوية ندم.. يعني كثير كنا نغني اغاني ثورية داخل النظارة، لإنو الامن ما بيتواجد الا بالنوادر بين النظارات مشان ما ينعدوا من الامراض. فيكي تقيسي علي انا، كنت افتل بين المهاجع واعمل تقرير مع اني ما كنت اعرف اني راح اطلع عايش او ميت بس كان في امل”.

… بس كان في أمل

Exit mobile version