المحامي ميشال شماس
بعد اندلاع الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية في آذار2011، المطالبة بالمزيد من الحريات ورفع حالة الطوارئ، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ووقف حالات الاعتقال، ومكافحة الفساد، حاول نظام الأسد امتصاص الغضب الشعبي تارة بالترهيب والتشدد والمزيد من الاعتقالات، وتارة أخرى بالترغيب عبر إطلاق الوعود الفارغة من أي مضمون، ومع تعنت النظام ورفضه الواضح الاستجابة لمطالب الشعب، ارتفعت وتيرة الاحتجاجات والمظاهرات لتعم مختلف المدن والمناطق السورية، وتتوسع معها قائمة المطالب الشعبية لتتوج برفع شعار إسقاط النظام، وأمام هذا الواقع أعلن النظام عن مجموعة من الإجراءات التي اعتقد أنها ستخفف من وتيرة الضغط الشعبي المتزايد، فأعلن عن حزمة من القرارات التي وصفها بالإصلاحية، كان في مقدمتها رفع حالة الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدولة، إلا أنه في نفس الوقت أصدر المرسوم 55 ليحل مكان حالة الطوارئ، حيث نصّ في مادته الثانية: “تختص الضابطة العدلية أو المفوضون بمهامها باستقصاء الجرائم المنصوص عليها في المواد من 260 حتى 339 والمواد 221 و388 و392 و393 من قانون العقوبات وجمع أدلتها والاستماع إلى المشتبه بهم فيها، على ألا تتجاوز مدة التحفظ عليهم سبعة أيام قابلة للتجديد من النائب العام وفقاً لمعطيات كل ملف على حدة وعلى ألا تزيد هذه المدة على ستين يوماً”.
يتضح من قراءة النص أعلاه أن نظام الأسد حاول الضحك على الشعب، فأوحى بداية أنه استجاب للمطالب الشعبية بأن ألغى حالة الطوارئ. لكن في واقع الأمر أن رفع حالة الطوارئ كان شكلياً، حيث استمرت حالة الطوارئ بمظهر وشكل جديد، بعد أن ألبسها نظام الأسد لباساً قانونياً جديداً كي تبدو أنها جاءت استجابة لمطالب الشعب.
فمع بقاء صلاحيات الأمن الواسعة، قرر النظام في خطوة غير مسبوقة اعتبار عناصر الأجهزة الأمنية من عناصر الضابطة العدلية بعد أن كان الأمر مقتصراً على عناصر الشرطة المدنية، والهدف من ذلك هو توسيع مهام الأجهزة وإضفاء الصفة القانونية على ممارساتها. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ترك مدة التوقيف مفتوحة، فالمرسوم 55 لم يلزم عناصر الأمن بالإفراج عن الموقوفين لديها أو إحالتهم إلى القضاء بعد انتهاء مهلة الستين يوماً، حيث بقيت بدون أي مؤيد جزائي، وبقي النص على مهلة الستين يوماً لغواً لامعنى له من الناحية العملية. وهذا ما يفسر استمرار الأجهزة الأمنية بتوقيف الأشخاص لمدد تفوق الستين يوماً وتصل لسنوات كما هو حاصل اليوم لعشرات الآلاف من المعتقلين الذين مضى على اعتقالهم سنوات وسنوات، وفي مقدمهم المحامي خليل معتوق والدكتور عبد العزيز الخير، والمحامين سامر إدريس وعصام زغلول والطبيب محمد عرب، وفائق المير.. والقائمة تطول جداً..
وبدل أن يتم تعديل القوانين لتتفق مع أحكام الدستور، فإن النظام السوري عكس الأمر تماماً، حيث عمد إلى تكريس ما سبق وأصدره بمرسوم في نصوص دستور 2012 ليضفي عليها الصفة الدستورية والشرعية أمام الرأي العام، وهذا ما نلاحظه لدى قراءة نص المادة 53 من دستور 2012:
“1- لا يجوز تحري أحد أو توقيفه إلا بموجب أمر أو قرار صادر عن الجهة القضائية المختصة، أو إذا قبض عليه في حالة الجرم المشهود، أو بقصد إحضاره إلى السلطات القضائية بتهمة ارتكاب جناية أو جنحة.
2- لا يجوز تعذيب أحد أو معاملته معاملة مهينة، ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك.
3- كل شخص يُقبض عليه يجب أن يُبلغ أسباب توقيفه وحقوقه، ولا يجوز الاستمرار في توقيفه أمام السلطة الإدارية إلا بأمر من السلطة القضائية المختصة.
4- لكل شخص حكم عليه حكماً مبرماً ونفذت فيه العقوبة وثبت خطأ الحكم أن يطالب الدولة بالتعويض عن الضرر الذي لحق به”.
وهنا أيضاً يبدو النص الدستوري ملتبساً وغامضاً لجهة تحديد مدة التوقيف، حيث ترك الأمر لمزاجية رؤساء الفروع الأمنية بدون أي مؤيد قانوني أو جزائي، ولا تجرؤ الجهات القضائية المخولة أساساً بمنح الأجهزة الأمنية الموافقة على الاستمرار بالتوقيف مطالبتها تلك الأجهزة بتسليم الموقف لديها أو الإفراج عنه بعد انتهاء مهلة الستين يوماً التي نص عليها المرسوم 55.
والأمر نفسه تكرر عندما قرر نظام الأسد إلغاء محكمة الدولة العليا السيئة الصيت، والتي كان مطلب إلغائها في قائمة المطالب الشعبية، حيث بادر النظام إلى إنشاء محكمة الارهاب لتكون بديلاً عنها ومكملة لما كانت تقوم به محكمة أمن الدولة، ولكن في مظهر وشكل جديدين.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج