مجلة طلعنا عالحرية

المرتزقة السوريون: كيف ينظرون لأنفسهم؟

عاد النقاش مؤخراً حول المرتزقة السوريين في ليبيا وأذربيجان بعد أن أصدر الزملاء في (المركز السوري للعدالة والمساءلة) و (سوريون من أجل الحقيقة والعدالة) تقريراً ممتازاً بخصوص الموضوع، ركّز على الجانب الاقتصادي منه، حيث تستغلّ ميليشيات “الجيش الوطني” أحوال الناس المزرية في الشمال السوري، وحالة الفقر المدقع في مخيّمات النزوح، كي تقوم بما سمّاه التقرير بـ “التجنيد الاستغلالي” للشباب وإرسالهم للموت المجّاني خارج الحدود السورية.
دعا التقرير تركيا إلى “مراقبة ومنع أنشطة تجنيد المرتزقة في مخيمات النازحين في شمال غرب سوريا الخاضعة للسيطرة التركية”، وهي أنشطة يقوم بها بشكلٍ رئيسيّ فيلق الشام؛ الجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين.
ومن المفارقات التي يعرّج التقرير على ذكرها مسألة نجاح المرتزقة السوريين في المهام العسكرية التي أوكلت إليهم في كل من ليبيا وأذربيجان. ففي ليبيا تمت بنجاح عملية صدّ قوات اللواء خليفة حفتر وإيقافها عند حدّها. وفي أذربيجان نجح المرتزقة في استعادة إقليم ناغورنوكاراباخ لصالح القوات الأذربيجانية التي تقوّت بهم ضد أرمينيا، فكانوا عاملاً حاسماً في الصراعين المذكورين.
أمام هذه الحملات المظفّرة للمرتزقة السوريين يحقّ لنا أن نتساءل إن كان العامل الاقتصادي الذي استفاض التقرير بشرحه كافٍ بحدّ ذاته لتفسير تحول بعض السوريين للارتزاق العسكري؟
توجهتُ بهذا السؤال لأحد قادة الفصائل الكبرى المذكورة في التقرير والمتهمة بتجنيد المرتزقة في الشمال السوري، فأعطاني تفسيراً مغايراً تماماً. فالقصة بنظر القائد المذكور (الذي طلب منّي عدم ذكر اسمه رفعاً للحرج مع “الإخوة الأتراك” كما قال) هي قصّة حلف عسكري لا فرار منه بين ما بقي من مقاتلي الثورة السورية والدولة التركية.
وفقاً لهذا القائد فقد خسرت الثورة السورية كل حلفائها، وتخلّى العالم كلّه عنها ولم يبق إلا تركيا. ولهذا السبب، قبِل الثوار سابقاً دخول القوات التركية إلى مناطقهم لتحريرها من داعش ومن قوات PKK المتحالفة مع النظام، حيث قاتل الثوار والجنود الأتراك جنباً إلى جنب داخل سوريا كحلفاء لهم مصالح مشتركة.
وفي المقابل، فعندما طلبت الحكومة التركية من حلفائها السوريين المساعدة في دعم السياسة الخارجية التركية، فقد قبلوا من باب الوفاء لشروط التحالف، والإقرار بوحدة المصير بين بقايا الثورة السورية والدولة التركية الداعم الوحيد المتبقّي لها.
كما أشار القائد لنقطةٍ أخرى لا تقلّ أهمية، فدعم الجهود العسكرية التركية من قبل الثوار يعود عليهم بمكاسب ماليّة هائلة هم في أمسّ الحاجة إليها. فالقائد المذكور لديه ثلاثة آلاف مقاتل يتوزّعون على جبهات القتال مع النظام السوري، وهو لا يمانع بإرسال بعضهم بمهمات خارجية لصالح الحلفاء الأتراك إذا كان ذلك سيعود على خزينة الفصيل بأموال كثيرة تساعدهم على البقاء على قيد الحياة مدةً أطول.
وبعيداً عن قضية الحلف العسكري بين الثوار وتركيا، هناك موضوع الارتباط الإيديولوجي، والذي لا يقلّ أهميةً في نجاح جهود تجنيد المرتزقة عن العاملَين الاقتصادي والعسكري. فحسب عضوٍ في جماعة الإخوان المسلمين تحدثتُ إليه في باريس فإن الفصائل الموالية لتركيا من واجبها إرسال المقاتلين إلى ليبيا وإلى أي مكانٍ آخر “للدفاع عن أهل السنّة”. وهكذا نعود للنقطة التي افترق عندها السوريون كثيراً منذ بدايات الثورة بسبب الشقاق الخطير الذي أحدثته وتحدثه جماعة الإخوان المسلمين السورية في صفوف المعارضين لنظام الأسد.
فحسب هذه الجماعة وحسب رجال الدين التابعين لها في الشمال السوري، فالثورة السورية ليست شأناً سوريّاً، بل إسلامياً! وهكذا تتكفل “إدارة التوجيه المعنوي” في الجيش الوطني (الإخواني) السوري بغسل أدمغة الشباب الصغار حتى تقنعهم أنهم مسلمون قبل أن يكونوا سوريين، وأن من واجبهم مقاتلة الكفار أينما كانوا نصرةً للإسلام والمسلمين.
وهكذا تمّت إضافة اسم الجنرال الليبي خليفة حفتر على أنه عدوٌّ للإسلام تماماً مثل بشار الأسد في سوريا. بل تم ضخّ الدماء في مسألة العداء التركي الأرمني بوصفه عداءً إسلامياً مسيحياً لتبرير إرسال “المجاهدين” إلى أذربيجان المُسلمة.

ختاماً، هناك نقطتان مهمتان أودّ التأكيد عليهما للإحاطة بالموضوع من كلّ جوانبه:
أولاً، لا ينطبق معيارا التحالف العسكري والتبرير الإسلامي على كل قادة فصائل المرتزقة، فـ”أبو عمشة” مثلاً، (وخلافاً للقائد الذي تواصلتُ معه) هو مجرم حرب معروف وقاطع طريق منذ بداية الثورة السورية، لا تحركه في هذه المعمعة إلا غرائزه ونزواته الإجرامية؛ فهو مرتزق باحث عن المال والسطوة الشريرة، مهما كانت التبريرات التي يرتكز إليها.
ثانياً، تتحمل جماعة الإخوان المسلمين السورية المسؤولية الوطنية والأخلاقية عن جرائم التدليس الخطيرة التي تمارسها بحقّ الجيل السوري الشاب منذ عام 2011 حتى اليوم. ففي حين تسببت العقيدة الفاسدة لهذه الجماعة بتجنيد شبابنا في التنظيمات المتطرفة في الماضي، كداعش والقاعدة، ها هي اليوم تقضي على مستقبل من بقي منهم بتحويلهم إلى مرتزقةٍ يذهبون للقتال والموت خارج حدود الوطن بلا أي معنى.

Exit mobile version