في حديث بيني وبين أحد نشطاء اللجان مؤخرا، عبَر بأسى أن “سمعة” اللجان في منطقتهم ليست على ما يرام. فهناك من يتداول أن “اللجان تقودها النسوان”.. وهذا ما يضعف موقف نشطاءها في تلك المنطقة أمام الأهالي!
من جهة، كان من حسن حظ لجان التنسيق المحلية أن نخبة من السيدات لعبن دورا جوهريا في استمرارها وتطور عملها خلال سنتين من عمر الثورة. من الزميلة ياسمين البرازي، منسقة المكتب الاعلامي، التي تقضي على الأقل 24 ساعة من يومها في العمل الثوري مع نشطاء اللجان في مكاتبهم المختلفة! وتحية لها بحجم ما قدمته وتقدمه.
أيضا السيدة ليلى الصفدي، التي أخذت على عاتقها إعداد وتحرير جريدة اللجان بالإمكانيات البسيطة التي توافرت، واستمرت بنشاطها من مكان إقامتها في جولاننا الحبيب كعضو في اللجان وفي مكتبها التنفيذي…. تحية لها أيضا بحجم ما قدمته وتقدمه.
لن أستعرض جميع الأسماء بل سأعود لتعليق الناشط أعلاه، حيث اعتبر وجود نساء في مواقع صنع القرار والمسؤولية في هذه المؤسسة الثورية بمثابة “نقطة ضعف” وليس العكس. هذا على الرغم من أنه في المنطقة نفسها، التي تحدث بعض أهلها بما ذكرنا، هناك بالتأكيد ناشطات اعلاميات واغاثيات.. فأين تكمن المشكلة؟
أكثر من ذلك، صحيح أن دور النساء على هذا الصعيد في لجان التنسيق كان رائدا، لكن بالمقابل، فإن تنسيقية واحدة فقط من ضمن العشرات كانت ممثلتها سيدة. طبيعي حيث أنها تنسيقية “تجمع حرائر داريا”!
في معرض إعداد هذه المادة، وزعنا استبيانا لتنسيقيات اللجان حول أعداد الإناث في صفوفها والنشاطات التي يقمن بها.
(16) تنسيقية فقط أجابت على الاستبيان، والنتيجة تتحدث عن نفسها، حيث أن جميع التنسيقيات الأخرى لا إناث بين صفوفها على الإطلاق.
التنسيقيات التي لديها أكثر من أربعة ناشطات بين صفوفها كانت فقط شهبا، جديدة عرطوز، حركة هنانو، مصياف، الحسكة الموحدة وانخل!
بين ناشطتين إلى أربعة، كانت كل من أريحا، الأتارب، والصنمين. من ناشطة إلى اثنتين، كفرومة والزبداني. البقية: صفر نساء.
حتى في التنسيقيات التي يوجد في صفوفها نساء، كان من الملفت للنظر ما عبر عنه ممثلو التنسيقيات “الذكور” حول دور أولئك الناشطات.
دور المرأة في تنسيقية أريحا يتراوح بين طباعة المنشورات وكتابة اللافتات وإعداد التقارير الاعلامية المكتوبة “فذوق المرأة مختلف عن ذوق الرجل في هذه الأمور يقول ممثل التنسيقية!
في جديدة عرطوز، تقوم المرأة “بالأنشطة “التي ينشغل عنها الرجل وتحتاج للحس النسائي! من نشاطات متعلقة بالرسومات والفنون المنزلية وتصنيع الأعلام والأنشطة المخصصة للأطفال” على حد تعبير ممثل التنسيقية.
في الحسكة الموحدة، تعمل الناشطات في الشأن الاغاثي، توزيع المنشورات، الاعداد للمظاهرات والرصد الحقوقي.
في انخل تقوم النساء بخياطة علم الثورة وكتابة اللافتات وإسعاف الجرحى وتوزيع السلل الغذائية والطبخ لعناصر الجيش الحر.. لكن أيضا تقوم بأعمال بالغة الخطورة. من ينسى حرائر انخل المعتقلات منذ أكتر من عام؟ بعض النساء يقمن بإيواء المطلوبين ومساعدتهم بالهروب وحتى تهريب قطع سلاح للمنشقين!
في كفرومة، يقول ممثل التنسيقية أن المرأة شاركت بفعالية كبيرة عندما كانت المظاهرات في أوجها، بل ووقفت حاجزا بين الجيش والمتظاهرين لمنع اعتقالهم. الآن هي تلعب دور “الجندي المجهول”.. فهي “تطبخ للثوار! تتكفل بأعبائهم المنزلية! بالإضافة لمشاركتها في الأعمال الإسعافية”.
على أية حال، سأعترف بأنني لم أتعرف يوما خلال سنتين من عمل اللجان إلى أي من ناشطات تلك التنسيقيات. بكلمات أخرى لم يقم النشطاء “الذكور” بتقديم أولئك الناشطات أو إعطائهن فرصة للمشاركة، واللجان بدورها، لم تسأل عنهن يوما!
ممثل تنسيقية حمورية في ريف دمشق أكد أنه لا يوجد أي نشاط نسائي لديهم، ومع ذلك “للمرأة دور كبير في الحراك الثوري في المدينة، ولكن نشاطها محدد ضمن الكوادر الطبية والتعليمية والمرأة تعتبر الأفضل بهذه المجالات” ويتابع “بالنسبة لعدم مشاركتها ضمن التنسيقية فذلك بسبب طبيعة اهالي الغوطة الشرقية وتحفظهم”.
ووفقا لممثل تنسيقية الصنمين فإنه بسبب الثقافة المجتمعية التي تحيط بالمرأة، فهي ترغب –أي المرأة- بالتقيد ببعض النشاطات في التزام بالالتزام الواقع على عاتقها اجتماعيا! فهو إذا في جانب منه قرار المرأة نفسها.
في بلدة “تسيل” للمرأة حضور في العمل الثوري كالمظاهرات والطبخ للثوار. عدم وجود تمثيل نسائي في التنسيقية مرده “الطابع المحافظ للبلدة والحرص على النساء من الناحية الأمنية”.
المثير للاستغراب، أن عمل التنسيقيات نفسها يتراوح بين الاعلامي والمدني والاغاثي، أي نفس المجالات التي تنشط فيها النساء – باستثناء الطبخ للثوار- حتى في أكثر المناطق محافظة اجتماعيا ودينيا. ألا يعتبر التحضير للمظاهرة من كتابة لافتات وسواه مشاركة في الحراك الثوري على سبيل المثال؟ أم أنه لا بأس في ذلك طالما يكون خارج إطار منظم وبعيدا عن مواقع المسؤولية.
في المحصلة، تنشط المرأة في الإغاثة، الإعلام، الجانب الحقوقي، العمل الميداني. وتتراوح خطورة ما تقوم به من الطبخ للثوار وحتى تهريب قطع السلاح وإيواء المطلوبين. مع ذلك فهي تقوم بجميع الأعمال تنفيذا، وتقبع في الظل، ونادرا ما يسمع صوتها في اللجان ضمن اقتراح نشاط، أو خلاف في تنسيقية، أو شجار عام من الشجارات الكثيرة التي نخوضها بشكل منتظم كنشطاء مكاتب وتنسيقيات!
هذا مؤسف. على الأقل، لا يمكن هزيمة المرأة في شجار افتراضي!
على أية حال، فخرُ للجان وجود نساء في مراكز صنع القرار فيها.. لكن هذا لا يجعل منا مثالا يحتذى، ليس ومئات الناشطات في مناطقهن يخاطرن بالغالي والرخيص.. ليجري استبعادهن عن جميع الأطر التنظيمية من أصغرها إلى أكبرها، من التنسيقيات إلى المجالس المحلية.. غريب أمر من يثق بامرأة لتشكل حاجزا بينه وبين الأمن في مظاهرة.. ولإيواء مطلوب ولإسعاف جريح…. ولا يثق بها لتشارك في رسم مستقبل أبنائه.
محامية وناشطة سورية في مجال حقوق الإنسان. شاركت في الثورة السورية عام 2011 وكانت من مؤسسي لجان التنسيق المحلية التي نشطت في تنظيم الحراك السلمي في الثورة السورية، حاصلة على عدة جوائز عالمية في مجالات حقوق الإنسان وحرية الفكر.
مارست عملها الانساني في ريف دمشق دوما وفي نهاية عام 2013 اختطفت مع ثلاثة آخرين من زملاءها (سميرة الخليل، ناظم حمادي، ووائل حمادي) من قبل الجماعات الإسلامية التي سيطرت على مدينة دوما.
رزان من مؤسسي مجلة طلعنا عالحرية وظلت حتى اختطافها من محرري المجلة الأساسيين.