في سوريا وتونس ومصر واليمن، ولاحقاً في السودان ولبنان والعراق والجزائر، شكّلت النساء خط الدفاع الأول عن مطالب الشعب، في ثورات لم تكن أبداً حكراً على الرجال؛ فوضعن أنفسهن في مواجهة الفساد والقمع، والمجتمع الثائر على حد سواء.
من الطبيعي أن المرأة في كل الدول التي شهدت ثورات واحتجاجات، صارت معنية بالتظاهرات المطلبية؛ فإضافة لتطابق مطالبها مع مطالب الرجل كمواطن يحلم بتحقيق الديمقراطية والتغيير ومحاربة الفساد، واستعادة الأموال المنهوبة، تبدو المرأة منقوصة الحقوق عن الرجل نفسه، وبالتالي كان وجودهن على الأرض ضرورة.
وفي تونس استبسلت المرأة بعد عام 2011، في الدفاع عن حقوقها، فحصلت على تعديلات دستورية كبيرة على صعيد مساواتها مع الرجل، كالقانون الانتخابي وجوازات السفر، وإلغاء تحفظات جمهورية تونس على اتفاقية “سيداو” المتعلقة بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة.
وفي لبنان وتقديراً لدور المرأة اللبنانية، كانت جريدة النهار سباقة في إرسال تحيّة خاصّة للمرأة الثائرة، فأصدرت عدداً خاصّاً لزهرة الثورة، وغيّرت فيه اسم الجريدة إلى “نهاركِ”، مضيفة كلمة “للنساء” في النشيد الوطني في المقطع الذي يقول “سهلنا والجبل منبت للنساء والرجال”، تقديراً لدورها الفعال في الانتفاضة الجارية.
وفي السودان تحولت الناشطات اللاتي شاركن في الثورة إلى أيقونة (الكنداكة)، وفي الحكومة الجديدة حصلت النساء على وزارات هامة وسيادية كالخارجية، فيما بدأت المرأة معركة تحصيل حقوقها كاملة هناك.
وفي العراق الذي ما يزال يعيش أياماً دامية، تتعرض الناشطات للاختطاف والاعتقال والقتل، لأنهن محرك الاحتجاجات، فما إن تظاهرت المرأة العراقية، حتى لم يبقَ رجل في بيته، وغصت ساحات التعبير عن المطالب بمئات الآلاف من الأمهات اللاتي خبزن الرغيف، والشابات اللاتي يقمن بدور بطولي في إسعاف الجرحى من المتظاهرين، فكتب فيها العراقيون بلهجتهم الجميلة أقوى القصائد التي انتشرت الأسبوع الفائت على مواقع التواصل متغزلين بجمالها ومادحين قوتها.
وفي سوريا التي عاشت ثورتها حالة قمع شديد، ومع ظهور تيارات إسلامية متشددة نجحت أحياناً بالسيطرة على المشهد، فإن ما قدمته المرأة من نشاط سياسي ومدني وميداني وإعلامي، تحول في بعض الأحيان، إلى كابوس، كما حصل مع رزان زيتونة وسميرة الخليل وغيرهما في منطقة تحت سيطرة ما كان يسمى جيش الإسلام.
ورغم قتامة الصورة إلا أن المرأة السورية، أصبحت فاعلة على كافة الأصعدة، في أماكن غياب النظام القمعي، والحركات الإسلامية.
إن إقرار قوانين كالمساواة في الميراث، والحماية من العنف الأسري، وحقّ حصول الأبناء على الجنسية، والدفاع عن حق النساء في التعليم والعمل والتعبير واللباس واختيار الشريك، والعمل على تغيير نظرة المجتمع للمرأة كجسد وجمال وجنس وإنجاب ومطبخ.. قضايا ملحّة تحتمل طرحها الآن، على عكس ما يروج البعض بأن طرحها ما زال مبكراً، وإلا ستصبح النساء ضحية ثورات هنّ أشعلنها.
حتى في السعودية أذابت نار الثورات العربية، وكفاح المرأة السعودية المستميت، الجليد عن الحديث حول حقوقهن بأقل تقدير، فنالت حقها في القيادة، والسفر بدون وكيل.
وفي النهاية فهذه جردة قصيرة، عن رحلة النساء العربيات، داخل قطار الثورات، في رحلة ما تزال في بداياتها. لكن لنتذكر، ونذكر، أن ما قبل عام 2011، كان الباحث عن حقوق النساء في اثنين وعشرين دولة عربية، كالباحث عن كلمة “حرية” في سجون وأقبية تلك الدول.
بقي على الثورات أن تردّ الجميل لصانعاتها، فلا تقصيها من الحياة العامة، على المستويات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، وليتجرأ شبابنا على تجاوز النظرة الناقصة، وممارسة الإرهاب المعنوي، على ناشطة قررت بملء إرادتها خلع أو ارتداء حجابها، أو أخت أحبّت شاباً، أو مهندسة تقوده، أو صحفية ترأسه، أو شرطية توجه له الملاحظات.. فبلاد عظيمة تقودها اليوم نساء بحجم وطن.
نبيل شوفان صحفي سوري عمل في العديد من التلفزيونات والإذاعات العربية والسورية وله مقالات رأي وتحقيقات استقصائية في العديد من الصحف