أحمد برقاوي
ما المرأة؟ سؤال بدأناه بما وليس بمن. وآية ذلك نزوعنا نحو تحديد الماهية الكُليّة للمرأة، ومن ثم تحديد ماهية المرأة العربية.
لو قلنا: المرأة إنسان ذو عضو مؤنث فهذا يعني بأننا قدمنا تعريفاً بيولوجياً للمرأة يشبه تماماً قولنا الرجل إنسان ذو عضو مذكر، لكن هذا يعني أمراً في غاية الأهمية ألا وهو أنّ المرأة والرجل يشتركان في صفة ماهوية هي الإنسان، وبالتالي هناك ماهية واحدة للمرأة والرجل واختلاف في وظيفة كل منهما في بعض وظائف الجسد. وكل تعريف للإنسان تعريف يشمل المرأة والرجل. فإذا قلنا الإنسان حيوان ناطق، عاقل، حرّ، إرادي، ضاحك، عامل.. الخ، فهذه تعريفات تنسحب على الذكر والأنثى من البشر.
إذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك، فكيف تأتّى أن يكون هناك تمايز في الوعي والواقع بين المرأة والرجل، يصل حدّ فقدان المرأة لأهم الصفات الإنسانية لماهية الإنسان؟ وفقدان الإنسان لأي صفة من صفات ماهيته يعني بأنه كائن مغترب، إنه ليس هو.
حقيقة واقعنا العربي تقول بأنّ المرأة “خطاب”. هو ذَا جوهر القضية. وكل خطاب سلطة. ولتحديد الأمر أكثر، المرأة خطاب ذكوري حول المرأة متناقض مع ماهية المرأة؛ أي أننا بنينا تصوّراً عن المرأة بحسب ما رآها الرجل، وبحسب ما صاغ هذا الرجل رؤيته والجواب عن سؤاله: “ما هي المرأة؟”.
يُضاف إلى هذا أنّ الخطاب اللاهوتي الإسلامي حول المرأة هو الذي وضعها في حال اغتراب مطلق عن ذاتها، ذلك أنّ اللاهوت الإسلامي الذي تكوّن عبر مئات السنين انطلق من ماهية مختلقة للمرأة، مُؤسّسة على فكرتين خطيرتين: المرأة عورة، والمرأة فتنة. وكل حياة المرأة يجب أن تتأسس على هاتين الفكرتين.
العورة في اللغة العربية تعني “العيب في الشيء”، وبالتالي قولنا المرأة عورة معناه بأنها مُعيِبَة، والمُعيِبْ هو كل ما يُستحى من إظهاره، والعورة هنا مرتبطة بالفتنة، أي أنّ السيء في المرأة هو أنها تفتن الرجل إن رآها. يترتب على هذا الخطاب أن تستتر المرأة في بيتها أو ما شابه ذلك بوصفها عورة، خوفاً من أن تغري الذكر.
إنّ خطورة هاتين الفكرتين الذكوريتين تتأتى من الاعتقاد بأنهما صادرتان عن أمرٍ إلهي، ممّا يُزيد من سلطة الخطاب الذي يتحول إلى ممارسة يوميّة، وإلى مصدر هائل من مصادر القول حول كل ما يتعلق بحياة المرأة من زواجها و ملبسها وسلوكها وواجباتها وعقوباتها وحقوقها ومستقبلها كله.
ورغم أنّ وضع المرأة العربية شهد تحولاتٍ متنوّعة في مستوى حضورها في الحياة العامة، لكن الذهنية المتكونة عبر مئات السنين مازالت تقف وراء الموقف الذكوري من المرأة من جهة، ومازال هذا الخطاب السابق يُشكّل جزءاً من وعي أكثريّة النساء بذواتهن من جهة ثانية.
بل إنّ روح الحداثة التي هبّت على البلدان العربية وبخاصة في بلاد الشام والعراق والمغرب العربي، والتي امتدت من الستينات حتى نهاية السبعينات في القرن الماضي، وانعكست على الخطاب حول المرأة وعلى سلوك المرأة وتحرّرها النسبي، نشهد الآن تراجعها؛ أي هذه الروح في كل المنطقة، الأمر الذي يدّل على الذهنية المعندة التي تحتاج إلى نوع من التحوّلات الكبرى والجذريّة لتحطيمها.
ولهذا لا يمكن عزل حال المرأة ودرجة حضورها الفاعل وحريتها، رغم ضرورة أن يكون لها خطاب خاص، عن مجمل التحوّل المجتمعي العام، لأنّ الذهنية الحاكمة كموقف من الحياة قضية كلية، ولأنها قضية كلية فإنها تدخل كجزء لا يتجزأ من التحولات الثورية وكفاح البشر من أجل حريتهم. أي أنّ انتصار الذهنية المؤسسة على فكرة الإنسان الحر هو انتصار مباشر للمرأة الإنسان، وهزيمة للمرأة العورة والفتنة.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج