حلا عدي رجب
غالباً ما تترافق الصراعات السياسية والنزاعات المُسلّحة في بلد ما مع ظهور أزمات إنسانيّة واجتماعية تؤثّر في حياة أشخاص غير معنيين غالباً بحركة التاريخ وما تتضمنها من صراعات، هذه الأوضاع الاجتماعية تحدث في الظلّ، ولا نستطيع تبين آثارها إلا بعد فترة من الزمن، مثل حالات التشرّد و الفقر، انتشار الأميّة، والاستغلال الجنسي تحت غطاءات عديدة.
لعلّ المرأة السورية تشكل دليلاً بارزاً خلال الحرب التي ما تزال مُستمرّة، وتفرض آثارها على نمط حياة النساء وتنزعهنّ من دورهنّ التقليدي إلى أماكن أشدّ ظلمة وقسوة، كاللاجئات في المخيمات، والنازحات في مناطق سيطرة النظام، واللواتي يعشن حياتهن تحت مظلة الفصائل المُسلّحة المتشدّدة، وحتى اللواتي وصلن إلى أوروبا هرباً من الحرب إلى حياة أفضل. فهل وجدت المرأة السورية حياة أفضل؟! أم أنّ السندان يحصرها بين النظام والفصائل المسلّحة؟!
تجد اللاجئات السوريات في مخيمات اللجوء أنفسهنّ عرضة للاستغلال من قبل متنفذين يتحكمون بمأواهنّ ومأكلهنّ، وحتى بالقوانين والسلطات التي تفرض عليهنّ، وخصوصاً النساء الموجودات هناك دون ربّ أسرة أو معيل لهنّ، حيث لا يقوين على مواجهات جشع أرباب العمل والشرطة، وحتى أولئك الذين يعملون على إغاثتهم بالمواد الغذائية والملابس، مقابل استغلالهنّ جنسياً!
لا يختلف الأمر كثيراً عن سابقه في مدينة اللاذقية التي يسيطر عليها النظام السوري حتى هذه المرحلة من مراحل الصراع، وفيها يقع مخيم “المدينة الرياضية” التي تسكن فيه عائلات هاربة من مناطق الصراع في الداخل السوري. تقوم على مراكز الإيواء مجموعة من الجمعيات التي تعمل على تأمين المواد الإغاثيّة والطبابة وورشات التوعية وأحياناً الأدوية، حيث يقوم البعض من المتنفذين هناك من عناصر الأمن والشبيحة وأصحاب العقارات باستغلال حاجة النساء الضعيفات مقابل الجنس، خصوصاً اللواتي جئن مع أطفالهن فقط إلى المدينة، و ذلك لتسييّر بعض معاملاتهن الإدارية وأوراقهنّ الرسميّة وأوراق أطفالهن، وتأمين السكن والغذاء. وفي حالات كثيرة تكون المرأة مع طفلها في أحد المستشفيات الحكوميّة عرضة للاستغلال الجسدي من قبل العاملين هناك، وتبدأ هذه المحاولة من السؤال عن مكان وجود رب الأسرة، وغالباً ما يكون الجواب أنها لا تعرف أين هو زوجها أو والدها، فهو إمّا مُعتقل لا أحد يعرف مكانه وإمّا مقتول أو يقاتل.
تتعرّض النساء كذلك من أرامل عناصر الجيش لشتى أنواع الاستغلال بعد غياب مُعيل الأسرة، وحاجتها مع أطفالها لتأمين مأوى أو دخل مستقر؛ فتجد المرأة نفسها وحيدة عرضة للاستغلال حتى من قبل أهل الزوج المقتول في بعض الأحيان! في أحد الحالات وحيث كانت إحدى النساء تعيش مع أطفالها في غرفة بأحد الأحياء الفقيرة والعشوائيّة في مدينة اللاذقية، وزوجها قضى في إحدى معارك الجيش، وبالرغم من ظروف العيش السيئة التي تعيشها مع أطفالها فإنّ والد زوجها قام بأخذ المعونات الغذائيّة التي تخصّها مع أطفالها!
من ناحية أخرى فإنّ تنظيم “داعش” يفرض في مناطق سيطرته الواسعة قوانينه وعاداته وعقوباته الخاصّة على من يخالف، حيث قام بإغلاق المدارس والجامعات ومنع تدريس المناهج الحكوميّة، وفرض “اللباس الشرعي” على النساء، ومنعهنّ من العمل أيضاً. وقد سُجّلت عّدة حالات من الجلد والرجم، وعقوبات الموت لنساء، وإيقاع جريمة ختان النساء، وممارسة كافة وأقبح أشكال الاستغلال الجنسي سواء في حالات “السبي” أو استخدام المرأة والجنس لاستقطاب المقاتلين من مناطق العالم، أو حتى بيعهنّ في أسواق علنيّة، أو إجبارهنّ على العبودية الجنسيّة. كما أنّ هناك الكثير من الفتيات اللواتي يرغبن في متابعة تعليمهن والعودة إلى جامعاتهن، لكن ذلك ليس متوفراً بسبب عدم السماح لهنّ بمغادرة المدن إلاّ بتصريح من التنظيم ومرافقة ذكر كوصيّ على هذه الأنثى، هذا التصريح الذي ليس متوفراً للنساء.
تزداد معاناة المرأة في ظلّ الحروب، حيث تصبح الجامع الوحيد لأسرتها والمُحافِظ الوحيد على استقرار العائلة، وتكافح المرأة ما استطاعت من أجل البقاء ولو كان ذلك على حساب نفسها و حياتها. وفي تقرير لها ذكرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” عام 2013 أنّ هناك أكثر من 54 ألف سيدة فقدن أزواجهن بسبب المعارك، أكثر من 40 ألف أمّ وما تبقى أرامل لم ينجبن أطفالاً بعد.
ولا شكّ أن هذه الكوارث ستلقي بظلها على مستقبل سوريا ومستقبل شعبها.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج