المحامية منى أسعد
المرأة السورية ليست بخير، عبارة كنت قد كتبتها كخاطرة قبل عامين على وسائل التواصل الاجتماعي. اليوم أعيد النظر بهذه الخاطرة لاكتشف خطأها، فإذا كان الخير أن تعيش المرأة لتتزوج وتنجب وتربي وتكبّر وتزوّج أبنائها ثم تموت بهدوء، فإنّ ملايين النساء في هذه المعمورة عشنّ ولا زلنّ يعشنّ بخير. لكن إن كان الخير في أن تعيش المرأة لتصنع بابتسامتها وبأظافرها مستقبل بلد، وتصوغ عبر تعبها وألمها كرامة شعب، ولتقدم للعالم مثلاً يحتذى به في القدرة على التضحية من أجل كرامة الإنسان وحريته، بهذا المعنى اعتقد أنّ المرأة السورية بألف خير. فهي وبالرغم ممّا تعرضت له منذ بدء الثورة، ولا تزال، من قتل وتدمير وتجويع وتهجير واعتقال واختطاف لها ولأحبتها، لم تزل حريصة على أداء دورها الثوري في مواجهة القمع الوحشي للنظام، والقمع البربري للجماعات المتطرفة، وصولاً إلى الغد الذي تطمح إليه. ممّا عرضها، مثلها مثل الرجل، للملاحقة والاعتقال والتوقيف والإهانات والتعذيب ومن ثم المحاكمات غير العادلة.
هذا المصير وسياسة الترهيب المتعمدة من قبل النظام، دفعت بعشرات الإعلاميات والصحفيات والأديبات والمدونات والفنانات ممن أعلنّ انحيازهن للثورة منذ أيامها الأولى، إلى مغادرة سوريا، ليتابعن ما كنّ قد بدأنه فيها من نشاط. فأصدرنّ الكتب والمقالات وأسّسن مدونات الكترونية يفضحنّ من خلالها الاعتداءات التي تعرضنّ لها, ويؤكدنّ على مطالبهن بالحرية والكرامة، بعض الصبايا كتبت باللغة العربية وبعضهنّ استثمر لغته الأخرى الإنكليزية أو الفرنسية لمحاولة إيصال رسائل سوريات مدنيات يعشنّ الثورة والحلم والحرب إلى ذاك الآخر حيثما كان, محاولات كذلك فضح تخاذل الموقف الإقليمي والدولي.
مايسة (30)عاماً، هي امرأة سورية كانت تقدم الإغاثة الطبية، وتعمل في قناة فضائية معارضة لنظام الأسد، قبل اعتقالها في دمشق، في نيسان /ابريل 2013، حيث اُعتدى عليها عناصر الأمن بالضرب المبرح طوال الليل بخرطوم أخضر غليظ. وقد ذكرت في مقابلة معها:”كانوا يصفعوني على وجهي ويجروني من شعري ويضربونني على قدمي وعلى ظهري وفي كل مكان”.
مثال آخر هو “رزان غزاوي” سورية فلسطينية أسّست قبل الثورة السورية بقليل مدونتها “رزانيات” التي تنشر فيها كتاباتها وتشارك مقالات لنساء أو مقالات متعلقة بالقضايا النسوية باللغتين العربية والإنكليزية.
“سعاد نوفل” السورية التي قادت المظاهرات ضدّ السلطة السياسية والنظام الأسدي في 2011 قادتها في 2014 ضدّ تنظيم “داعش” المتمدّد في الرقة, سعاد عانت كالعديد من النساء السوريات من قمع ووحشيّة الجماعات الإسلامية المتطرفة على مسار الثورة، التي فرضت في مناطق سيطرتها شريعتها الخاصة بها، والتي طالت الحريات بالدرجة الأولى كالحرية الشخصية وحرية التعبير واستهدفت في الوقت ذاته المرأة بشكل أساسي، بدءاً من لباسها وحركتها وعلاقتها بمحيطها، وصولا إلى حقها في التعبير عن مواقفها أو مشاركتها في العمل الثوري.
كل هذا تسببّ في تراجع دور المرأة عموماً والإعلاميات على وجه الخصوص نتيجة لذلك، وإن كان ثمّة من آثر من النساء الاستمرار في النضال رغم صعوبة هذا القرار، فقد استهدف بإصرار لا يقل عن إصرار النظام وهمجيته، بالخطف والقتل، ومن أبرز ضحاياهم الناشطة الحقوقية, والإعلامية, المحامية “رزان زيتونة”، التي اختطفت من مقر عملها في الغوطة الشرقية بتاريخ 9/12/ 2013، مع زوجها وائل حمادة وصديقتها الناشطة السياسية “سميرة الخليل” والمحامي والشاعر ناظم حمادي، العاملين معها في “مركز توثيق الانتهاكات”, دون أن يعُرف مصيرهم منذ ذلك الوقت. كما استهدفت المراكز الإعلامية بالتدمير والإغلاق،
بالرغم من هذه الرسائل التي وجهّنا إلى حملة السلاح وحمّى الحرب فإنّ نساء كثيرات لا يزلن يتحدينّ القمع والبربرية، وما من شك أنهنّ يقمنّ بأعمال على درجة من الأهمية والخطورة مهما تكن بسيطة. وهذا ما أكدته الطبيبة الناشطة ديمة العطار (30 سنة) في مقابلة معها لـ DWعربية بتاريخ 2/11/2012، بقولها: (كثيراً ما تقود الفتيات الفرق الصحفية وترافقها إلى أماكن النزوح والمواقع المهمة إعلاميا). كما أنهن يساهمن بدور توثيقي، عن طريق مدوناتهن وملفات المعتقلين والمنتهكات، إضافة إلى تصويرهن العديد من المظاهرات وتحميلها على صفحات الإنترنت.
ونذكر في هذا السياق، قيام “زينة أرحيم” (30 عامًا) من مدينة إدلب، بتدريب قرابة 100 صحفي، في مناطق خارج سيطرة النظام، ثلثهم من النساء، على أساسيات الصحافة المكتوبة والمرئية، كما ساعدت في تأسيس صحف ومجلات مستقلة في الشمال السوري، وهي مستشارة ومدربة في معهد “صحافة السلم والحرب”، لتطوير مهارات الناشطين الإعلاميين في البلدان التي تعاني من النزاعات والأزمات أو تعيش مراحل انتقالية.
مما لا شك فيه، أن عطاءات المرأة السورية وشجاعتها باتت مثار إعجاب المهتمين في العالم، فها هي الباحثة وأستاذة سياسات الشرق الأوسط في جامعة “باث”، البريطانية بيلي جين براونلي تقول في حديث لها مع “المدن” تاريخ 24/1/2016، “أود التركيز هنا على دور المرأة في الإعلام، فالنساء السوريات أثبتن وجودهن على جميع المستويات، إن كان لناحية تقديم التقارير من مناطق النزاع، (في بعض الأحيان أكثر من نظرائهن من الرجال) أو لناحية كتابة المقالات وإنتاج أشرطة الفيديو الوثائقية واستخدام وسائل الإعلام الاجتماعية كأداة لإعلام وتمكين المرأة السورية وحثها على الاضطلاع بدور أفضل، سواء في المناطق التي يسيطر عليها النظام أو تلك الخاضعة لسيطرة المعارضة. إضافة إلى مخيمات اللاجئين والأقاليم التي تقع تحت سيطرة ما يعُرف ب”الدولة الإسلامية”. وعلى سبيل المثال، فقد لعبت مجموعة من الناشطات السوريات، مثل رزان زيتونة ورزان غزاوي أدواراً لافتة كان لها تأثيرها في الكشف عن انتهاكات النظام وفي الدفاع عن حقوق الإنسان”.
وأخيرا لا بد من القول أنّ تضحيات الإعلاميات والإعلاميين سواء داخل أو خارج سورية، لن تكون نهاية المطاف، فحسب رأي الباحثة البريطانية براونلي “عليهم الاستعداد لمهمة مداواة وخياطة الجراح التي سببها العنف والانقسامات السياسية والدينية والطائفية خلال سنوات الحرب الوحشية، وهي مهمة غاية في الصعوبة”
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج