مجلة طلعنا عالحرية

اللاجئ وحيداً أمام تجاذبات السياسة التركية

دلال إسحق

أنا آغا وأنت آغا، فمن سيحلب البقرة؟
بهذا المثل الذي انتشر مؤخراً على وسائل التواصل التركية، يحاول المواطن التركي استدراك التملص من موجة العنصرية وطوفان القرارات التي صدرت مؤخراً بحق الأجانب على الأراضي التركية، كاللاجئين أو ممن يحملون الإقامات على أنواعها، والتي خلّفت موجة هجرة جديدة قد تكون بحجم مثيلتها التي حصلت في عام 2015. وبالتوازي مع هذه المناشدات التي هي بالأصل تحمل نبرة عنصرية طبقية، شهد عدد من القطاعات الصناعية والتجارية حالات ركود بسبب هجرة اليد العاملة، حتى وصل الأمر ببعض البلديات والمؤسسات بالبحث عن اليد العاملة والنداء على من يرغبون بالعمل عبر مكبرات الصوت. فهل بات يدرك المواطن التركي اللعبة التي يلعبها سياسيو المعارضة، بخطاباتهم المحرضة على الأجانب؟


بيئة غير مواتية للاجئ
قد يعتقد البعض أن التصريحات الأخيرة للحكومة التركية، والتي جاءت على شكل تقارب مع نظام الأسد هي السبب الوحيد في غليان مجتمع اللجوء، لكن في الحقيقة هناك أسباب أخرى كثيرة؛ فموجة الغلاء التي بدأت مع الحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة لعدم وجود قوانين جدية تحمي حَمَلة الحماية المؤقتة من الترحيل القسري إلى سوريا، وتنظم معيشتهم، بالإضافة لأسباب أخرى فردية، هي ما جعل تركيا بيئة غير مواتية للاجئ.


مقتول هنا، مقتول هناك
يقع اللاجئ اليوم بين خيارين أقربهما الموت؛ ففي الآونة الأخيرة، بتنا نسمع ونرى حوادث عنصرية كثيرة يتعرض لها اللاجئ، لم يكن آخرها مقتل الشاب فارس العلي. كما لم ينجُ من هذه النهايات من سلكوا دروب الهجرة غير الشرعية؛ فبين وقت وآخر تردنا حالات موت من المرض أو الجوع والبرد أو الغرق في طريق اللجوء. ومن الملاحظ عدم اقتصار الهجرة على اليد العاملة أو الطبقة المتوسطة والفقيرة، بل أصبحت خياراً وحيداً حتى لدى ميسوري الحال من اللاجئين، فعدد من أصحاب المشاريع والمعامل قاموا بتصفية أعمالهم في تركيا والتوجه إلى بلدان أخرى قاصدين بيئة استثمارية أكثر أماناً واستقراراً.


بين الإضراب وقافلة النور
حالة من التخبط ظهرت في الفترة الأخيرة، فقد دعا عدد من رجال الأعمال والسياسيين المحسوبين على المعارضة السورية إلى إضراب عن العمل في تركيا، وبالطبع هذه الدعوة وُجِهت لليد العاملة اللاجئة عموماً، والسورية على وجه الخصوص، حيث لاقت معارضةً واحتقاناً رافق الدعوة من قِبل جهات سورية وتركية.. بالتوازي مع هذه الدعوة بدأ الحديث عن تجهيز قافلة قوامها من اللاجئين تنوي اقتحام الحدود التركية الأوروبية. قد تعيدنا هذه القافلة إلى محاولة جرت سابقاً باسم “قافة الأمل” حيث سهّلت الحكومة التركية نقل عدد كبير من اللاجئين وقتها نحو الحدود الأوروبية، إلا أن المحاولة فشلت بالنسبة للاجئين كونها كانت مرتبطة بالسياسة التركية للضغط على دول الاتحاد الأوروبي، أما “قافلة النور” التي تتجهز حالياً والتي وصل تعداد أفرادها -على وسائل التواصل- نحو 85 ألفاً حتى لحظة كتابة هذا المقال، تصرح عبر معرّفاتها، بأن لا ارتباطات لها، ولا نوايا سوى الخلاص من الجحيم الحالي.


لاجئون بلا مصير
منذ ما يقارب الشهر انطلقت حملة أخرى تحت وسم “لاجئون بلا مصير” هدفها تسليط الضوء إعلامياً على أوضاع اللاجئين في تركيا، حيث وصل مستخدمو الوسم على وسائل التواصل إلى نحو مليونين ونصف، شاركت فيه عدد من الشخصيات العامة، لكنها إلى الآن لم تأتِ بأي ثمرة.


تغاض تركي ودولي يزيد الطين بلة
مع كل ما حصل ويحصل، لم تتحرك الحكومة التركية للحد من تنامي الخطاب العنصري، أو لسنّ قوانين وتشريعات تسهّل عيش مكوّنات مجتمع اللجوء على أراضيها، بل اكتفت بالتغاضي عن المهاجرين المتوجهين من كافة الولايات التركية نحو حدودها مع أوروبا، ويعود هذا التغاضي لقرب الانتخابات التركية المقررة في منتصف العام القادم، ولكيلا تترك ثغرة للمعارضة تصطاد منها عثرات الحكومة.
هذا التغاضي ينعكس سلباً فقط على اللاجئ الذي كان يظن في مرحلة ما أنه محمي من قِبل حكومة العدالة والتنمية، والآن بات وحيداً مشرعاً على تجاذبات السياسة التركية.
في المقابل لم يتحرك المجتمع الدولي قيد أنملة لحماية أو مساندة اللاجئ في سعيه للحصول على الأمان والاستقرار.


ما بعد الانتخابات
يتساءل البعض بإمكانية عودة البيئة التركية حاضنة للاجئين كما كانت من قبل بعد انتهاء الانتخابات. كون بعض السياسيين عزوا سبب تغيير السياسات التركية تجاه اللاجئين بالمرحلة فقط. هذا التساؤل يعيد البعض إلى دائرة الانتظار وعدم التحرك حالياً من تركيا. ربما يكون خياراً صحيحاً، إلا أن الحمل الرئيس لا يقع على عاتق الحكومة، بل على المواطن التركي؛ فمثلما ذكرنا سابقاً أن البيئة الاجتماعية التركية لم تعد بيئة حاضنة للأجانب.
وأخيراً، قد تكون هذه بعض العقبات التي تواجه اللاجئ في تركيا حالياً، وهذه الخيارات المتاحة أمامه، وعلى الرغم من وجودها إلا أنها لا تبشّر بخير، وهذا الأمر بات حملاً يثقل كاهل اللاجئ الذي وصل به الحال إلى التعلق بقشة أمل حتى وإن كانت سراباً.

Exit mobile version