Site icon مجلة طلعنا عالحرية

الكرد من مقصلة الاستبداد إلى جلد الثورة / سردار ملا درويش*

لم يشفع دفاع الكرد عن سوريا ضد الاحتلالين العثماني والفرنسي، ومشاركتهم في بناء سوريا ما بعد الاستقلال، بأن ينالوا حقوقهم من الحكومات السورية المتتابعة، بل أفرزت مراحل صراع مع الأنظمة الحاكمة، لاقوا خلالها شتى أنواع الظلم والقهر والسياسات التعسفية، خلال عهد الوحدة السورية -المصرية، ومن ثم استلام البعث زمام الحكم في سوريا وغيرهما.

كان للكرد في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي منتديات وجمعيات، يناضلون عبرها من أجل حقوقهم والتعريف بقضيتهم، فيما كان بالطرف الآخر أي في باقي أجزاء كردستان في العراق وتركيا وإيران، نضالاً شهد ثورات مسلحة، بينما في سوريا اقتصر الأمر على الإيمان بالنضال السلمي، تكلل في الرابع عشر من حزيران عام 1957 بتشكيل أول حزب سياسي كردي باسم “الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا-البارتي”.

نتج عن نضال الكرد في سوريا محاربةً من الأنظمة المتسلطة، وزج السياسيين الكرد المطالبين بحقوق أبناء جلدتهم في السجون، وهم يقفون في وجه السياسيات العنصرية المتبعة بحق الكرد، أبرزها كان بيان السياسيين لوقف مشروع “الحزام العربي” الذي تم تنفيذه في عام 1974، وعلى إثره اعتقل قادةٌ كرد لأكثر من ثمان سنوات. المشروع ذاك تلا مشروعٍ عنصري أخر نُفذ عام 1962، جرد فيه عشرات آلاف الكرد من جنسيتهم السورية وحقوقهم المدنية.

اعتمد الكرد دائماً في قراراتهم على مرجعيتهم السياسية المتمثلة بالأحزاب الكردية في سوريا، والتي بغالبيتها آمنت بالنضال السلمي، ولم تمارس يوماً النضال المسلح، حتى أنها رفعت في مطبوعاتها (التي كانت تُطبع وتوزع بشكل سري) شعار النضال السلمي، والمطالبة بإزالة الاضطهاد القومي وإلغاء المشاريع العنصرية والقوانين الاستثنائية بحق الشعب الكردي، والعمل على تمتين أواصر الأخوة العربية- الكردية، وتأمين الحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية للشعب الكردي في “سوريا”، والمطالبة بالديمقراطية للبلاد. أي أن الكرد لم يكونوا دعاة للعمل المسلح والعنف من أجل خلاص البلاد من الديكتاتوريات، وهو ما اثبتته الانتفاضة الكردية في آذار من عام 2004، حيث خرج المتظاهرون الكرد في جميع المدن الكردية، واسقطوا التماثيل التي تمثل رموز النظام، دون أي عملٍ عنفي أو حملٍ للسلاح، رغم محاولة النظام شيطنة الكرد واتهامهم بالانفصاليين، حتى باتت هذه النظرة سائدة منذ  أعوام 2004 إن لم نقل قبلها أيضاً، وربما حتى الآن، في نظر الكثير من السوريين.

مع انطلاقة الربيع العربي، انتظر الكرد بشغف اندلاع الثورة في سوريا، وهم الأكثر تضرراً من النظام القائم المستمر في سياساته العنصرية تجاههم، لذا لم يتوان الكرد منذ الأسابيع الأولى عن الانخراط في الثورة السورية بمناطقهم، والخروج في تظاهرات عارمة، متمسكين بنهج السلمية والتغيير الديمقراطي، رافعين أعلام الثورة والأعلام الكردية، التي هوجم الكرد بسببها من قبل السوريين عامةً، لماذا الكرد يحملون أعلاماً كردية! كما رأى آخرون أنها تشي بالانفصال، كل ذلك حقيقة لعدم وجود قراءة سورية عامة عن الكرد، أو معرفة وإدراك بنضالهم ورمزية وقدسية العلم بالنسبة لهم.

يدرك معظم أهالي محافظة الحسكة بأن الحراك الثوري فيها كان بغالبية كردية ومشاركة قليلة من باقي مكونات المنطقة، حتى أن وسائل الإعلام كانت شاهدة أيام الجمعة بنقل التظاهرات من المناطق الكردية “رأس العين (سري كانيه) والدرباسية وعامودا والقامشلي (قامشلو) والمالكية (ديريك)”، وغيرها من المدن، ورغم أن تلك المظاهرات كانت تحمل طابعاً جمعياً يطبعه الوجود الشبابي إلا أن الأحزاب الكردية بقياداتها كانت مشاركة ومتواجدة أيضاً، و كانت المظاهرات تهتف للمدن السورية الأخرى، وتحلم بإنهاء النظام القائم، لكن النظام السوري  تعامل مع المنطقة كباقي المناطق التي يقطنها الأقليات، ليُبين أن الثورة تحمل طابعاً مذهبياً سنياً، مع يقظة تجاه محركي التظاهرات من الشباب الكرد في مناطقهم.

مع بداية عسكرة الثورة، كان الكرد قد شكلوا مجالس سياسية تمثلهم كالمجلس الوطني الكردي ومجلس شعب غربي كردستان، واللذان ضما الأحزاب الكردية والتنظيمات الشبابية والمستقلين، وتشكيل مجالس محلية للحفاظ على المنطقة من الفوضى، رافضين فكرة عسكرة المنطقة، أو حمل السلاح، أو دخول كتائب مسلحة للمنطقة، لكن هذا لم يدم طويلاً ففي أواخر عام 2012، دخلت مجموعات مسلحة بايديولجية معينة غير كردية إلى مدينة “رأس العين- سري كانيه” التي تعتبر بوابة منطقة الجزيرة “ذات الغالبية الكردي”، في ظل استنكار شعبي أدى لهروب غالبية الكرد من المنطقة، برفض تام لوجود هؤلاء، لتتحول المنطقة بعد تبيان حقيقة أن القوى العسكرية التي دخلت لا تعمل لصالح الثورة، إلى ساحة صراع عسكري، تخللها ظهور قوة عسكرية كردية وقفت في وجه تلك الكتائب.

إجبار الكرد على المقاومة المسلحة والدفاع عن المنطقة عبر “وحدات حماية الشعب” لم يكن إلا خياراً إجبارياً للكرد، فإما الرضوخ لتلك القوى التي مع دخولها شردت الأهالي وهجرتهم، وأهانت العلم الكردي، أو اعتبار أن القوى العسكرية الكردية، هي الجهة التي تستطيع الدفاع عن المناطق، ليكون الخيار الثاني أسلم لأهالي المنطقة!

من مرحلة اتهام النظام للكرد بالانفصال، وترسيخ الفكرة من قبل الثوار السوريون، ودخول الكتائب، تغير مشهد الثورة في المنطقة، وبدأ ظهور نمطية صراع من نوع أخر، تم التأجيج له مؤخراً باتهامات حول تهجير الكرد للعرب من المنطقة، ومحاولة الكرد تشكيل كيان مستقل، شارك فيه غالبية السوريين، دون رؤية هؤلاء لتاريخ الكرد ونضالهم في سوريا، وحتى نضالهم في الثورة، أو قراءة جغرافية المنطقة التي لا تسمح بالانفصال، رافعين شعارات تم زرعها مسبقاً في رؤوسهم، غير آبهين أن هذا الصراع سيوصل الطرفين لصراع لا يفيد البلاد. حتى أن العقلاء لم يحاولوا إيقاف التشنج منه إلى ضبط النفس، أو محاولة كسب الكرد كمكون أساسي في سوريا.

واقع الحال يقول، إن العودة لقراءة تاريخ الكرد بات أمراً ضرورياً، وفهم وإدراك إيمانهم بالتغيير السلمي، والنظر إلى مشاركتهم الفاعلة في الثورة وتأثيرها ومخاوف النظام من تحركهم، بالإضافة لمحاولة إبطال الافتراءات على الأقل من قبل السوريين المؤمنين بسلمية الثورة والتغيير السلمي، بعد أن بات الأمل مفقوداً من الغالبية.

* صحفي كردي سوري

Exit mobile version