حاورته بشرى البشوات
”لو كان لدي بنت لأحببت أن تكون كاتبة مثلي، تتجاوز عالمي وتسخر من لغتي القديمة وتسافر لتتسلم الجوائز، بينما أركض خلفها في القاعة دون أن يعرفني أحد، مستمتعاً بمشهد انحناء الصحفيين لها، وظيفتي فقط أن أستلم عنها باقات الزهور في حفلات توقيع كتبها، لتتفرغ هي لمصافحة المعجبين المحتشدين، مكتفيا أنا بفكرة أن العالم يصافح قلبي”.
زياد خداش
ماذا يفعل المرء باللغة حين يولد فلسطينيا؟
الكاتب والمعلم زياد خداش الذي ولد في القدس عام 1964، ويحمل إجازة في الأدب العربي من جامعة اليرموك، يمارس التعليم في مدارس فلسطين ويدرّس الكتابة الإبداعيّة، في رصيده اثنتا عشر مجموعة قصصيّة، حائز على جائزة فلسطين التشجيعية عن كتابه “خطأ النادل”.
أتحدث مع زياد عن القدس، عن القصص، المخيم، عن الأرض والهوية، عنه كفلسطيني ومبدع.
- بدأت حياتك الإبداعيّة في سنتك الثالثة الجامعية في جامعة اليرموك، هل ثمة حضور مميز لأحدهم في تلك البدايات؟
لم يكن هناك أحد مميز في تلك المرحلة، وأظن أن المميز في تلك المرحلة هو اكتشافي لذاتي واكتشافي لحاجتي إلى التعبير عن هواجس كثيرة كانت تشتعل داخلي في تلك المرحلة. - الكتابة حالة مبالغة، هل نجوت من “فخ اللغة” كما طلب إليك مرة الشاعر حسين البرغوثي؟
نجوت من فخ اللغة بفضل أبيّ الشاعر والعملاق حسين البرغوثي، كنت أرقص مع اللغة، ولم أكن أعرف بأن هذا النوع من الرقص طارد للأفكار والأحداث ويتحول مع الوقت إلى نوع من التهريج والدلع. - في قصص زياد خداش أنتَ دائمًا موجود، كشاهد على الحدث، تستخدم ضمير المتكلم لماذا؟
أعشق ضمير المتكلم في الكتابة كثيراً، أعتبره متعة قصوى. فهو يعطيني المدى البعيد في التعبير عن ذاتي وهواجسي الدقيقة التي لا يستطيع ضمير الغائب أو المخاطب التعبير عنها.
أحب أن أكون شاهداً على كل شيء، أحبّ أن أكون منخرطاً في كل التجارب، أحب أن أكون صديقاً لبطل القصة أو عدواً له، أو مراقباً له، أو ماراً بجواره. - هل اختلف نتاج زياد قبل أوسلو وبعدها، خصوصاً بعد عودة الكثير من الأسماء: يحيى يخلف، غسان زقطان…؟
اختلاف كبير، أتذكر نفسي كاتباً شاباً ينام عند العاشرة، لديه كتب قليلة محلية.
كنّا نستخدم مصطلح “الأدب المحلي” المقصود بالمصطلح الكتب المطبوعة في فلسطين، ولم تكن كتب العائدين بعد أوسلو متوفرة لدينا، كنا نتشوق لقراءتها واحتضانها.
حياة العائدين نفسها، كانت درساً ومدرسة بالنسبة لنّا. تعلمنا منهم كيف نحوّل الحياة إلى مغامرة وكيف نقول للحياة تعالي، بالإضافة إلى تقنيات جديدة تعلمناها منهم. - تقول في إحدى الحوارات بأن مسؤولية المثقف الانخراط بالحدث كونه مواطناً بالدرجة الأولى، الانتفاضة الأولى والثانية، ثم ما حصل أخيراً في حي الشيخ جراح وعموم فلسطين، كيف تأثرت بها؟
تأثير كبير، لكنه غير مباشر نحن لا نستطيع أن نكتب الأحداث كما تحدث، لا نستطيع أن نحرض ونصرخ كما يفعل الكتاب السياسيون، هذا ممكن في مجال الكتابة السياسية المباشرة، لكن في الأدب هناك طريقة أخرى.
نحن نهضم هذه الأحداث؛ نقطرها داخلنا مشاهد فن وأدب، ونحوّلها إلى واقع مختلف، واقع مختلف يبعث على الأسئلة الجديدة. - إلى من ينتمي زياد أكثر: القدس، بيت نبالة، رام الله؟
انتمائي إلى الأماكن الثلاثة التي ذكرتيها، لا أستطيع أن أفصل بينهما أبدًا، في داخلي رام الله وبيت نبالة والقدس، هذه الأماكن الثلاثة تشكل روحي وتشكل بوصلتي الوطنية، بيت نبالة الحنين والجذور والبيت الأول، رام الله الأصدقاء والحب والكتابة، القدس الحلم، الحلم، الحلم..
فكيف استغني عن أحلامي وعن أصدقائي وعن بيتي الأول؟!
-المخيم، حساسية اللاجىء، كيف انعكست على كتابتك؟
حساسية اللاجئ تطاردني في كل مكان، حتى وصلت إلى أعماق قصصي، معظم شخوصي لاجئون يبحثون عن ذواتهم، معظم شخوصي حساسون ضائعون في مهب المدن، نبلاء من الداخل عاجزون عن التعبير، يخافون من الطوابير أمام المؤسسات. وحين يسافرون يرتعبون من فكرة فقدان جواز سفرهم، وحين يموتون يتمنون لو كان هناك نفق في قبورهم، يعودون من خلاله إلى بلادهم المخطوفة. - زياد أنت غير منظم سياسياً، تحب العيش خارج الأطر، يبدو هذا غريباً كونك فلسطيني؟
نعم تماماً، إحدى الأشياء التي أفخر بها ككاتب، هو أنني كنت مدركاً لخطر الأيديولوجيا في الكتابة.
أنا أحب فلسطين جداً، وأنتمي إليها وأحلم بالعودة إلى بلادي المسروقة، ولكنني لا أستطيع أن أكتب إلا من خلال إحساسي الحر، وبوصلة إحساسي الوحيد هذا حنيني إلى العودة إلى بيتي الأول. - المرأة في حياة زياد؟
المرأة في حياتي وفي قصصي، قصتان حبيبتان إلى قلبي. لا أستطيع أن أكتب عن الحياة دون أن أكتب عن المرأة. لا أستطيع أن أكتب عن الألم وعن السعادة دون أن يكون للمرأة دور كبير في هاتين المسألتين.
لا ألم ولا سعادة دون أن يكون بجوار امرأة تبتسم أو تبكي. - الجولان السوري المحتل، الجغرافية القريبة، العلاقة بينكما؟
أحبّ الجولان كثيراً، ليّ أصدقاء كثر هناك. زرت الجولان مرات عديدة، في كل مرة أعود فيها من الجولان أشعر بأني تركت بيتي هناك.
شعور غريب ينتابني كلما وصلت الجولان. أريد أن أصافح كل الجولانين الذين يمرون عني. الشخصية الجولانية شخصية كريمة ومحببة. أحبّ أن أكتب عن الناس هناك، الذين صمدوا، عن كبريائهم عن بطولاتهم. - زياد خداش خضت تجربة ثريّة ومهمة في التعليم، وانتشرت لك فيديوهات مميزة مع الأطفال، ما الفكرة من ذلك؟
الذي دفعني لخوض هذه التجربة مع التلاميذ، هو رغبتي بأن أتحرر أيضاً وأحرر. أتحرر من هذا المكان الثقيل وأحرر طلابي من هذا المكان الثقيل، هي عملية تحرر مزودجة. أنا أعتبر أن المدرس يعيش أيضاً سجناً كبيراً في المدرسة إلى جانب الطلاب.
يضيف زياد أخيراً عن الكتابة بأنها أداته ومعبره وهدفه، من خلالها يقاوم ويعرف ويعلّم طلابه أن لا ينسوا بلادهم التي سرقها المحتلون الغاشمون.
“أكتب لأنني أخاف المرتفعات والتجار، وإهانات الجنود، وتأخر أميّ في النوم، والتحديق في عيون الناس”
زياد خداش.. فلسطين.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج