Site icon مجلة طلعنا عالحرية

القاصرات في مناطق نفوذ داعش.. ضحايا المجتمع أم ضحايا الأمر الواقع !!

سامي الساري

تعاني المجتمعات العربية من مشاكل اجتماعية وموروث ثقافي أصبح يهدد وجودها وكيانها، ومن أهم تلك المشاكل هي الزواج المبكر، وهي مشكلة تعاني منها أغلب المجتمعات العربية التقليدية. وتبدأ هذه المشكلة عندما تبدأ هذه المجتمعات بـ حشو عبارات التنميط الجندري داخل المجتمع كعبارة “ما شاء الله صايرة عروس”، “ع قبال ما نفرح بك عروسة”.. ليتكون لا إرادياً لدى هذه القاصرة ماهية مستقبلها، وأن فرحتها المنشودة هي عبارة عن الزواج من “ابن الحلال” وأن مشوار حياتها التعليمي والمهني ما هو إلا أمر ثانوي، وأن أسمى هدف لديها أن تصبح “مستورة” تبعاً للموروث الثقافي السائد والقائل على سبيل المثال إن فلانة “انسترت” أي أنها تزوجت.

لكن ماذا حل بهذه العادات والمشاكل الاجتماعية بعد الثورات التي حصلت في بلدان الربيع العربي والتي لم تكن ضد حكم الأنظمة الديكتاتورية الجاثمة على صدور الشعب فحسب، بل هي ثورة ضد كل الموروثات والعادات البالية التي وقفت وبقيت عائقاً أمام تطلعات جيل الشباب المفعم برغبة التغيير الحقيقي والنهوض بالبلاد. هل بقي الحال كما هو عليه أم ازداد الوضع سوءاً؟ خاصة بعد سيطرة بعض التنظيمات الإرهابية على حياة الناس ، في أكثر من بلد عربي.. ماذا عن الوضع في سوريا؟

“لا يكاد يمر أسبوع دون زواج أحد من أبناء القرية، وكلمة زواج وخطبة هي أكثر كلمة أسمعها يومياً”. بهذه الكلمات أبدى “أبو حسن” استغرابه من الظاهرة التي تجتاح المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي في دير الزور؛ فرغم حالة الفقر والحصار التي تعيشها المنطقة، إلا أن الزواج مستمر دون انقطاع، يضيف “أبو حسن” قائلاً: “اثنان من أبناء أخي تزوجوا منذ شهر، مع العلم أن أعمارهم لا تتجاوز الـ 14 عام!”، وظاهرة تزويج القاصرين منتشرة كثيراً في هذه الأوقات، يتابع “أبو حسن” معللاً أن “سبب إقدام الأهالي على تزويج الأولاد في سن مبكر هو محاولة إبعادهم عن شبح الالتحاق بتنظيم داعش، وأن الزوجة ستنسيه القتال والحرب، وأنها فرصة لـ “تعويض” الخسائر البشرية في الأرواح! وأن التنظيم نفسه يشجع على الزواج، لأن الجيل الذي سيولد في ظل سيطرتهم هو الجيل المنقذ للأمة، ويطلق عليهم اسم أشبال الخلافة!”، يختم “أبو حسن” حديثه مقهقهاً أنه يفكر بالزواج للمرة الثالثة أسوة بأطفال القرية..

“أبو حسام” هو الآخر مشغول بتجهيز أثاث منزل ابنته التي ستتزوج بعد عيد الأضحى، وتبدو عليه آثار الفرحة لأنه قد اطمئن على مستقبل ابنته التي لا يتجاوز عمرها الـ 13 سنة، فيقول: “والله يا بن أخوي همّ البنات للممات” ويتابع: “لكن أستطيع القول إنني مطمئن الآن على ابنتي، خصوصاً أن جميع إخوتها الشباب قد غادروا إلى أوربا، وأخشى أن يصيبني مكروه وتصبح ضحية لـ (اللي ما يتسمون)، فأكثر من مرة زاروني (بتكلم عن تنظيم داعش) ليطلبوا يد ابنتي الصغيرة، وأقابلهم بالرفض أنها لا تزال صغيرة، وقد سمعت شرعيّهم في أكثر من مناسبة يقول إن زواج الصغيرة جائز في الإسلام، ويبرهن ذلك أن النبي محمد (ص) قد تزوج عائشة وهي في عمر تسع سنوات، فقررت أن أزوجها لأول عريس يتقدم لها بشرط أن يكون من أبناء القرية” يتابع “أبو حسام”” أن “كل الأهالي يزوجون بناتهم في سن مبكر، وتختلف الأسباب من عائلة إلى أخرى” ويؤكد “أن زواج القاصرات مشكلة تهدد بتفكك الأسر؛ فأغلب هذه الزيجات تنتهي بالطلاق أو بالتحاق الأزواج بـ(اللي ما يتسمون) فتعود الزوجة إلى أهلها أرملة أو مطلقة بعمر الخامسة عشر”. ينهي “أبو حسام” حديثه ببيت من الشعر الشعبي رافقه أنين صامت ونبرة عتاب.. قاطعته، واكتفيت بالقول إن غداً سيكون أفضل.. كي لا أفسد فرحة “أبو حسام” الذي أصبح على أعتاب الخمسين من عمره..

يبدو أن هذا الشرخ الذي أصاب بنية المجتمع وعبث بكل مفاهيمه سيحتاج إلى سنين عديدة من أجل إعادة الأمور على ما كانت عليه من قبل، وأن الخطوة الأولى بعد القضاء على الاستبداد والتطرف أن نعود إلى قضية المرأة ونتجاوز هذا العبث الذي أصرّ على تغيير ملامح حياتنا، وأن نجعلها من أولوياتنا، وأن نبدأ بإعادة تأهيلها ومعالجة مشاكلها من سياق واقعها الثقافي والديني، والتأكيد على صناعة كوادر نسائية قادرة على العطاء والإبداع في المجالات الفكرية والاجتماعية وغيرها.

Exit mobile version