عند البحث عن كلمة “صيدنايا” على محرك جوجل، تظهر معظم النتائج متحدثة عن شيء آخر غير السياحة أو عراقة المدينة وتاريخها، أو حكاياتها وقصصها!
لهذه المدينة التابعة لمحافظة ريف دمشق تاريخ كبير، فهي واحدة من أعرق المدن المسيحية في المنطقة، كما أنها مشهورة بالأديرة القديمة التاريخية، وكذلك أجوائها السياحية وخاصة في الشتاء.
لكن خلال البحث عنها سيظهر شيء آخر غير الذي ذكر، وهو ببساطة (سجن صيدنايا) الذي يتمتع بأوصاف كثيرة كمسلخ بشري، مركز الموت، مصنع الخوف وما إلى ذلك من أوصاف مشابهة.
عمل النظام السوري تحت قيادة حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار، على تحويل هذا السجن إلى بعبع وشبح موت لكل معارض، ومعه ترافق تحوير اسم المدينة من اسم جذاب لعطلة أو رحلة، إلى اسم مرعب.
في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي أصدرت رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا تقريراً عن هذا السجن تحت عنوان الاحتجاز في صيدنايا، نتيجة عمل بحثي كبير حول “إجراءات وتبعات الاعتقال في سجن صيدنايا في سوريا، الذي اشتهر مؤخراً باسم المسلخ البشري، ويهدف إلى الإجابة عما يلي: من هم المعتقلون وكيف يتم اعتقالهم؟ وما هي تبعات الاعتقال عليهم وعلى عائلاتهم؟ الآثار الجسدية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية؟ وما الذي تغير بعد الثورة سواء في إجراءات الاعتقال أو تبعاته”.
عينة كبيرة وبيانات هامة
وبحسب معدي التقرير: “يعتمد التقرير على البيانات الواردة من 400 حالة، جميعهم رجال، تم توثيقها حتى بداية آذار 2019 ضمن مشروع تعمل عليه رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا منذ بداية شهر كانون الثاني/ يناير 2018، يهدف إلى توثيق حالات الاعتقال في سجن صيدنايا منذ تأسيسه وحتى الآن. أول حالة اعتقال تم توثيقها كانت في آب 1980، وآخر حالة اعتقال تم اعتمادها في هذا التقرير كانت في نيسان 2017. وعمليات التوثيق ما تزال مستمرة حتى الآن”.
يبعد السجن 30 كم شمالي العاصمة السورية دمشق، ويتبع إلى وزارة الدفاع السورية، تحت إدارة الشرطة العسكرية. وبحسب منظمة العفو الدولية: “في صيدنايا، يبدو أن الهدف من (التعذيب والضرب) هو الموت، نوع من أنواع الانتقاء الطبيعي أي التخلص من الضعفاء بمجرد وصولهم إلى السجن”، ويعد هذا التفصيل واحداً من تفاصيل كثيرة أكسبت هذا السجن شهرته، والتي بلغت ذروتها عام 2008 حين ثار بعض المعتقلين على سجانهم، لكنهم لقوا ردّ فعل عنيف وتعذيباً شديداً حتى تم قمعهم.
فرق كبير بين زمن بشار وزمن حافظ!
تقرير الرابطة خلص إلى نتائج كبيرة ومهمة، جاء فيه أن ثلث عمليات الاعتقال التي حدثت منذ تأسيس السجن عام 1980 وحتى عام 2017 كان في عهد بشار الأسد. فيما ضمّ السجن جنسيات أخرى غير السورية كالفلسطينية، اللبنانية، العراقية والتركية.
وبحسب التقرير، كانت نسبة الذين تعرضوا للتعذيب الجسدي من العينة المدروسة 100%، و97.8% تعرضوا للتعذيب النفسي، بينما عاش 29.7% تجربة التعذيب الجنسي، وتم تحديد 20 وسيلة تعذيب جسدي، 24 وسيلة تعذيب نفسي و8 للتعذيب الجنسي.
خلص التقرير إلى حقائق ووقائع كثيرة من داخل هذا السجن، تبين الانتهاكات لأبسط حقوق الإنسان؛ فالأكثرية من العينة 57.2% تمت محاكمتهم في محاكم ميدانية عسكرية، وأكثر من الثلث تمت محاكمتهم في محاكم أمن الدولة العليا، إضافة إلى 6.5% حوكموا في محكمة الإرهاب.
كذلك الانتهاكات تنسحب على موضوع الأحكام الصادرة بحق المعتقلين؛ إذ تراوحت مدة الحكم بين سنتين و24 سنة! وخرج نصف المعتقلين بعفو عام، إذ خرج حوالي ثلاثة أرباع العسكريين بموجب العفو العام، بينما أقل من ثلث المدنيين خرجوا بهذا العفو.
التأثير يستمر خارج جدران المعتقل!
لم تتوقف آثار هذا المكان الرهيب على فترة الإقامة فيه، بل تمتد إلى أبعد من الإفراج، حيث أكد أكثر من ثلث العينة المدروسة بالتقرير أن إصابتهم الجسدية خلال الاعتقال أثرت على قدرتهم على ممارسة حياتهم كالمعتاد، وأكثر من ربع العينة قالوا إن الضرر النفسي الذي تعرضوا له خلال الاعتقال ما زال مستمراً حتى إعداد التقرير.
بني هذا السجن بطريقة جعلته أحد أكثر الأبنية تحصيناً في سوريا، ويتألف من بنائين منفصلين، الأول يضم معتقلين مدنيين والثاني يحتوي معتقلين عسكريين. ولكل كتلة من الكتلتين قبو تحت الأرض يضم زنازين انفرادية. ويجب التنويه أن السجن بني عام 1980 وافتتح رسمياً عام 1987.
اعتمد التقرير على منهجية واضحة في البحث والاستبيان، وذكر أن الغالبية الساحقة من المحتجزين في السجن أعمارهم أقل من 37 عاماً عند الاعتقال، وترتكز النسبة الأكبر في الفئة العمرية بين 18-27 عاماً، وكان ملفتاً أن ثمة 2% من المحتجزين أطفال أعمارهم تحت 18 عاماً، ونسبة من هم فوق ال48 عاماً بلغت 8.2%.
ولم يغفل التقرير التنويه إلى الجهات المسؤولة عن السجن موضحاً: “ شعبة الاستخبارات العسكرية هي المسؤولة عن اعتقال أكثر من ثلاثة أرباع محتجزي صيدنايا، الغالبية الساحقة من المحتجزين تمر على أكثر من فرع أمني، أقل من الثلث مرواً على فرع واحد، بينما مر ما يقترب من ثلاثة أرباع المحتجزين على فرعين أو أكثر، ويبدو أن فرع التحقيق العسكري وفرع شؤون الضباط وفرع فلسطين، التي تتبع لشعبة الاستخبارات العسكرية، هي بوابات الدخول إلى صيدنايا”.
وتتنوع التهم التي تلصق بالمعتقلين في هذا السجن، بدايةً من “مناهضة أهداف الثورة في الوحدة والحرية والاشتراكية، والانتساب إلى جمعية سريّة بقصد تغيير كيان الدولة، نشر أنباء كاذبة” وغيرها من التهم التي كانت مواد سخرية في الشارع السوري.
تفاصيل كثيرة وتوثيقات هامة وصل إليها التقرير، وأحاديث يبدو أنها لن تنتهي عن هذا المعتقل الذي وصل صيته لمختلف مناطق العالم، لكن ثمة خلاف واضح بين شريعة هذا السجن وشريعة النظام السوري، هو أن سجن صيدنايا يستوعب كل الأعراق والطوائف السورية بين جدرانه!
صحفي سوري مستقل، وخريج كلية الإعلام بجامعة دمشق. عمل في الصحافة منذ عام 2008 ونشر في العديد من المواقع والصحف العربية والعالمية.