Site icon مجلة طلعنا عالحرية

الغوطة الشرقية بين سندان النظام ومطرقة المعارضة

قصي الأحمد – الغوطة الشرقية

لا يخفى على أحد ما للغوطة الشرقية من أهمية كبيرة؛ حيث تعتبر رأس حربة الثورة السورية، لعدة أسباب، أهمها جوارها للعاصمة دمشق.

استغرب الكثيرون عندما حمل أهلها السلاح، وبدؤوا بقتال النظام، وذلك بسبب شدة القبضة الأمنية التي كانت مفروضة من النظام عليها، والذي يسير في شوارعها وطرقاتها، يعرف ذلك من كثرة المنشآت والثكنات العسكرية بداخلها، حيث عمل النظامa على تحويلها إلى مربع أمني له بامتياز.

وقد ضمت الغوطة بداخلها العديد من الألوية والكتائب، ذات التوجهات والأيديولوجيات المختلفة -النابعة من اختلاف موجود مسبقاً، لم يعلم الأهالي أنه سيتحول يوماً ما إلى خلاف مسلّح-. ذابت التشكيلات العسكرية كلها مع الزمن لتصبح خمسة فصائل، قبل أن يقوم ثلاثة منها بالتوحّد، تحت مسمى جيش الفسطاط، لتصبح الغوطة أمام ثلاثة فصائل، تجمعها رابطة الدم والجنسية وقتال النظام، وتختصم في الأيدولوجيات والتوجهات والأفكار.

– جيش الإسلام: ويعتبر من أكبر الفصائل في الغوطة الشرقية، وله حضور سياسي بارز، خصوصاً وأن كبير مفاوضي الهيئة العليا للمفاوضات -محمد علوش- هو عضو المكتب السياسي للجيش.

– فيلق الرحمن: أيضاً فصيل كبير يضم عدداً من التشكيلات الكبرى في الغوطة كجند العاصمة، وكتائب واعتصموا والاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، ويمتاز بترتيبه وتنظيمه العسكري.

– جيش الفسطاط: ويضمّ كلاً من كتائب فجر الأمة وجبهة النصرة وكتيبة أحرار الشام.

شهدت الغوطة اختلافات ومناوشات بين الحين والآخر بين هذه الفصائل، اقتصر أغلبها على خلاف امتد ليوم أو يومين، وربما لم يتعدّ نطاق بلدة واحدة.

غير أن الأمر لم يستمر كذلك، فقد امتدّ الخلاف هذه المرة ليشمل كل بلدات الغوطة الشرقية ويوقع مئات من القتلى والجرحى من كل الأطراف ومن المدنيين.

بداية القصة كانت في صباح يوم الخميس 28-4-2016، عندما استفاق أهالي الغوطة على أصوات إطلاق النار، وانتشار كثيف للحواجز الأمنية في الطرقات، حيث قام كل من فيلق الرحمن وجيش الفسطاط، بمهاجمة مقرات لجيش الاسلام، بدعوى عدم تسليم جيش الإسلام للقائمة من المتهمين بعمليات خطف واغتيال حدثت في الغوطة الشرقية، وكذلك ردّاً منه على مصادرة جيش الإسلام عدة مقرات تعود للاتحاد الإسلامي المنضم مؤخراً لفيلق الرحمن، بحسب ما ذكرت بيانات صادرة عن الفيلق. لتندلع بعدها الاشتباكات بين الطرفين، ويسقط عشرات القتلى، بينهم أكثر من عشرة مدنيين، متزامنة مع حملة اعتقالات واسعة، لمنتسبي كلا الفصيلين.

وبدأ بعدها التراشق الإعلامي،  ليلقي كل طرف باللوم على الآخر.

استمر القتال يوماً كاملاً، وعلت فيه أصوات العقلاء ووجهاء الغوطة للتهدئة، ولكن دون جدوى.

ومع طول فترة الاقتتال غير المعتادة، شهدت الغوطة تحركاً ملحوظاً من قبل بعض المؤسسات والفعاليات المدنية؛ مثل مجلس المحافظة والهيئة العامة للغوطة الشرقية بالإضافة لوجوه وشخصيات سورية في المهجر؛ حيث قُدّمت العديد من المبادرات لوقف إطلاق النار ولكن دون جدوى أيضاً.

 ومع وصول الجميع إلى طريق مسدود، خرج آلاف من المدنيين، في مظاهرات تخطت خط النار، وتوجهت إلى دوما مطالبة الجميع بالتهدئة، ونصبوا خيامهم في خطوط التماس، واعتصموا فيها، جاعلين من أنفسهم دروعاً بشرية لمنع الاقتتال.

 تحت هذا الضغط الشعبي، التزم -على مضض وتخوف-  كل من جيش الإسلام وفيلق الرحمن بوقف إطلاق النار والخروج من بلدة مسرابا أهم نقطة اشتباك.

ولكن الأمر ازداد سوءاً، بعد اقتحام جيش الإسلام لبلدة مسرابا على حين غرة، لتعود الأمور للتصعيد من جديد، ولتنطلق مبادرات جديدة، لرأب الصدع الذي حصل.

المتتبع لهذه المبادرات، التي أطلقتها الفعاليات المدنية، يلاحظ تشرذماً وعدم وضوح في الرؤية في معظمها، كما يلاحظ توجساً من قبل الفصائل، في الاستجابة لها.

وعلى أي حال، لم تحقق أي مبادرة حتى الآن، مطالب الحاضنة الشعبية بالمجمل.

آخر هذه المبادرات، كانت تنص على خروج لكل من جيش الإسلام، وفيلق الرحمن، من بلدة مسرابا، وتسليمها لقيادة الشرطة والفعاليات المدنية في البلدة، ثم الجلوس على طاولة الحوار بين طرفي النزاع، لحل القضايا العالقة بينهما، وقد لقيت هذه المبادرة استجابة من قبل الفصائل، ولكن على الورق فقط.

اللافت للنظر هو تأثر بعض جبهات الغوطة بالاقتتال الحاصل بقلبها، خصوصاً في جبهتها الجنوبية، حيث أن المتابع لما يحصل على الجبهات، يلاحظ نمو القبضة الأمنية للفصائل العسكرية، على حساب جبهاتها، التي يفترض أن تكون هي الأصل.

والجدير بالذكر، أن النظام طيلة هذه الفترة، لم يقم بأي عمل عسكري كبير، كما كان يفعل قبل ساعات فقط من بدء الاقتتال، خصوصاً في جبهة بالا، وبقي ينتظر الى أن انتهز الفرصة المناسبة، وانقض على بلدة الركابية، المحاذية لبلدة دير العصافير. كما وافق النظام على وقف لإطلاق النار في عدة مدن،  كان منها الغوطة الشرقية.

ولعله بذلك يحضر لعمل عسكري كبير، دون مضايقة من أحد، فالمعركة الآن أصبحت داخلية، أو يراقب من بعيد عن كثب ما يحصل في الداخل، محاولاً استغلال أي فرصة للانقضاض، ربما تأتيه على طبق من ذهب، وفي الحالتين النظام هو الرابح الأكبر.

وكانت أولى ثمرات الاقتتال، تهجير أكثر من 1000 عائلة من بلدة دير العصافير ومعظم مناطق جنوب الغوطة، خوفاً من تقدم لقوات النظام.

ومن ثمراته، تجزيء بلدات الغوطة، وسقوط قتلى من المدنيين، حيث أنهم دائماً الخاسر الأكبر في الحروب.

الآن لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص، فالحديد والنار هما اللغة الوحيدة التي تتكلم، فإلى أين سيقود هذا الاقتتال غوطة دمشق؟!..

هل ستكون أمام تجربة جزائرية جديدة؟ أم هل ستستفيق الفصائل بعد أن يدركوا أنهم حققوا أكبر مكاسب للنظام؟ وربما يكون ذلك بعد فوات الأوان!

Exit mobile version