Site icon مجلة طلعنا عالحرية

العمالة السورية في لبنان

p13-01-25514-640_914688_large

حمد الطويل

تستمر الحرب الكونية على الشعب السوري بأشكالها المتعددة، وذلك بعد أن أوغل النظام القاتل بسحق هذا الشعب ابتداءً من قوته اليومي وانتهاءً بحياته ووجوده على أرضه، حيث لجأ السوريون الى دول الجوار ومنها إلى مصيرهم المجهول عبر البحار تاركين خلفهم بيوتهم وأرزاقهم وأعمالهم ومستقبلهم، طالبين النجاة بأرواحهم فقط.

 وفي شكل غريب من “رد الجميل” للشعب السوري الذي استقبل على مر السنين اللاجئين من دول عدة أقربها إليه لبنان التي لجأ شعبها إليه على فترتين قريبتين أخرها حرب تموز عام 2006، رفض الاخير قيام أي مخيم يحمي السوريين ويأويهم وينظم تقديم المساعدات لهم، وجاء ذلك بقرار سياسي وبحجة عدم مقدرة لبنان على تحمل هذا الكم من اللاجئين، إضافة إلى خوفه من التغيير الديموغرافي السكاني في لبنان، وفي الأساس يبدو القرار معاقبةً للشعب السوري على رفضه الظلم وثورته ضد الطاغية.

وقد اضطرت هذه الأوضاع المؤسفة الكثير من اللاجئين الى افتراش الأرض مع أسرهم وذلك بسبب الغياب شبه تام للمنظمات الإنسانية.

كما أضطر الكثير من المعيلين لهذه الأسر للعمل بظروف غير لائقة إنسانياً أو قانونيا بهدف تأمين أبسط مقومات الحياة وأولها المسكن الذي حرم منه السوريين بعد دمار بلدهم.

تقدر العمالة السورية بنسبة 90% من مجمل العمالة الكلية في لبنان، وكان عدد العاملين السوريين في لبنان قبل الثورة يقارب الـ 600 ألف عامل، إلا أن العدد ارتفع إلى أكثر من مليون مؤخراً جراء توقف العديد من المصالح عن العمل وازدياد البطالة داخل سوريا إضافة إلى دخول النازحين إلى سوق العمل في لبنان لعدم كفاية الاعانة التي تقدم لهم.

وعلى هذا باتت العمالة السورية في لبنان تقسم الى قسمين: وافدة من داخل سورية بقصد العمل لتأمين لقمة العيش والعودة للوطن الأم لعدم وجود صراع في مناطقهم، وعمالة أخرى وجدت نتيجة اللجوء ولها نفس المقصد وهو تأمين مستلزمات الحياة في بلد يعد من أغلى دول العالم. ولكلا هذين النوعين مشاكله الخاصة.

فالعمالة القادمة من سوريا تصطدم بكثير من المعوقات أبرزها شرط وجود كفيل لبناني أو شركة خاصة تكفله وتعمل على تأمين اقامة قانونية له ما يستوجب دفع رسوم تصل حتى 300 دولار أمريكي في معظم الأحيان تكون على حساب العامل.

وذكر سامر أحد العمال السوريين في إحدى شركات البناء أن إشكالات كثيرة يعيشها العامل في لبنان أهمها تحكم الكفيل المطلق به وزيادة وقت العمل وتخفيض الأجور وعدم وجود تأمين صحي كما يدعون. أما في حال تأمين الشركات للسكن فهو يكون أشبه بزرائب الحيوانات ولا تحمل أدنى مقومات العيش السليم. فضلا عن عدم التعويض اللائق في حال حصول حوادث العمل رغم أن الكفالة من المفترض أن تؤمن قانونيا كل ذلك. ولا يستطيع العامل مقاضاة كفيله وفي حال شكواه للجهات المختصة فانه لن يجد آذاناً صاغية.

 من جهته قال مجد صالح أحد العمال في لبنان أن موضوع الكفالة فتح بازاراً لاستغلال العمال، فقد تعرض مجد لذات التجربة مع كفيل أراد استغلاله باختصام مبلغ 600 دولار بدلا للكفالة، ولما رفض مجد ذلك قام بطرده من العمل وخصم 10 دولار من أجره اليومي البالغ 35 دولار.

أما بالنسبة للعمالة الموجودة داخل لبنان من اللاجئين السوريين فلها من مشاكلها الكثير: أولها عمالة الأطفال تحت السن القانونية، والتي تنتشر بشكل كبير وبكافة مجالات العمل المجهد حيث الاستغلال بأبشع صوره، ابتداءً من عدد ساعات العمل وانتهاءً بالأجر الزهيد. أما العمالة لغير الأطفال فلها على الأغلب نفس مشاكل العمالة الوافدة من داخل سورية بشكل نظامي، زد عليها استغلالها المضاعف لعدم شرعيتها قانونياً، وذلك بالأجر الممنوح وعدد ساعات العمل الطويلة وظروف العمل القاسية. وهنا تتحدث صافية عن عمالة النساء في سهل البقاع بأعمال الزراعة حيث تتقاضى كل واحدة منهن مبلغ 8 الاف ليرة لبنانية ما يساوي خمسة دولارات ونصف، بينما كانت الأجور تساوي 10 دولارات لذلك النوع من العمل.

وتعود ظاهرة تعرض العمالة السورية للاضطهاد والظلم في لبنان لأسباب عدة أهمها عدم وجود قوانين صارمة من الحكومة اللبنانية تحمي حقوق العامل السوري، وغلاء المعيشة الذي لا يتناسب ابدا مع الأجور، وتقييد حركة دخول وخروج العمال السوريين من وإلى بلدهم بسبب إلغاء اتفاقية المعاملة بالمثل من قبل طرف واحد، ووضع شروط صعبة للدخول وبتكلفة وكفالة عالية.

وربما كان لضعف المنظمات الإنسانية وعدم قدرتها على حماية النازح أمام الدعوات والأصوات العنصرية والإجراءات التعسفية بحق النازحين أكبر التأثير على حياتهم اليائسة، خاصة أن لبنان بلد يتأثر بالمناخات السياسية الخارجية، وأكثر مؤسساته مرتهنة أو مسيطر عليها من قبل حزب الله شريك النظام السوري في سفك دماء السوريين.

وبين هذا وذاك تستمر معاناة السوريين باستمرار المؤامرة الكونية ضدهم وتخاذل المجتمع الدولي والإنسانية جمعاء وعدم وقوفها إلى جانبهم أو سعيها من أجل وقف نزف الدماء والتهجير القسري   المستمر منذ سنوات.

Exit mobile version