مجلة طلعنا عالحرية

الضيف الثقيل على السوريين

نازحو الخيام في شمال غرب سوريا على موعد مع برد الشتاء.. والتحضيرات بإمكانيات معدومة

دارين الحسن- إدلب

مع حلول فصل الشتاء يتعاون إبراهيم السايح (36عاماً) النازح من مدينة كفرنبل مع زوجته وأولاده الثلاثة، في حفر قنوات لتصريف المياه حول خيمتهم، يعمل على تثبيتها وتوزيع الحجارة والحصى على جوانبها، لمنع مياه الأمطار من التسرب إلى داخل الخيمة، حتى لا تتكرر المأساة التي عانوا منها خلال فصل الشتاء الماضي.
يتحدث السايح لـ”طلعنا عالحرية”: “خلال فترة الشتاء الماضي لطالما تسربت مياه الأمطار إلى الخيمة، وبللت الفرش والأغطية التي ننام عليها، لذلك أحاول ما أمكن أن أتلافى الكارثة هذا الشتاء”.
معاناة أسرة السايح لا تختلف عن معاناة آلاف النازحين الذين يستعدون لاستقبال شتاء آخر في مخيمات إدلب وريفها، وسط مأساة تتكرر كل عام، في خيام بالية لا تصمد في وجه الرياح والعواصف، وبرد قارس يهدد أطفالهم بالمرض، الأمر الذي دفعهم للتجهيز لشتاء يتمنون أن يكون أقل قسوة هذه المرة.
الستينية أم باسم تنشغل بخياطة خيمتها استعداداً لفصل الشتاء الذي بات على الأبواب؛ فالخيمة هي مأواها الوحيد مع زوجها العاجز، بعد نزوحهما من ريف معرة النعمان الشرقي، “نزحنا من ريف معرة النعمان الشرقي، وجئنا إلى هذا المخيم أواخر عام 2019، ومنذ ذلك الوقت لم نستطع تبديل الخيمة المصنوعة من القماش، التي سرعان ما تهترئ بفعل عوامل الطقس، لذلك أعمل على خياطتها قبل حلول الشتاء، علها تصمد في وجه الرياح والأمطار” تقول أم باسم.
أما الطفل سامر العربو (11 عاماً) النازح من مدينة معرة النعمان إلى مخيم كللي بريف إدلب الشمالي، فيتولى مع أخيه الأصغر مهمة جمع النايلون والكرتون والملابس والأحذية المهترئة من مكبات القمامة، لتقوم والدته بتعبئتها في أكياس وتخزينها في خيمة مجاورة، لتكون وقوداً في مدفأة الشتاء، وعن ذلك توضح أم سامر: “فقدت زوجي بغارة حربية منذ عام 2018، وأصبحت مسؤولة عن خمسة أطفال، لذلك أعمل ضمن الورشات الزراعية، ويساعدني ولدايّ في تأمين مصروفنا اليومي من خلال عملهما في مكبات القمامة، حيث يجمعان النايلون والحديد والخبز اليابس لبيعها والاستفادة من ثمنها، فيما يحضران إلى الخيمة ما هو قابل للاشتعال، لحرقه في المدفأة شتاء، لنخفف عن أنفسنا مصاريف الفصل القاسي ومعاناته”.
تؤكد أم سامر أن أسعار الحطب والمازوت وغيرها من مواد التدفئة تفوق قدرتها الشرائية بكثير، مضيفة: “همي الوحيد ينحصر في تأمين لقمة العيش لأطفالي في ظل الغلاء والفقر والنزوح”.


حلول قد تكون مفيدة!
النازح فؤاد العربو (45 عاماً) المقيم في مخيم حربنوش بريف إدلب الشمالي، سارع لبناء غرفة من طين يأوي بها أطفاله الأربعة قبل حلول الشتاء، وعن ذلك يقول: “الخيمة القماشية، لا ترد عنا برد الشتاء، لذلك عملت على بناء غرفة طينية بتكلفة بسيطة”.
يقول العربو إنه جمع الحجارة من الجبل القريب من المخيم، وقام بإعداد خلطة الطين المكونة من التراب والقش الناعم والماء، وبعد الانتهاء من البناء، قام بسقف الغرفة الطينية بعوازل قماشية وشوادر نايلون. ويضيف: “دفعتنا الحاجة للعودة إلى الوسائل البدائية التي تتلاءم مع إمكاناتنا وأوضاعنا المعيشية المتردية، عسى أن ننعم بشتاء دافئ، بعيداً عن البرد والمرض”.


أرقام مرعبة!
في استبيان أجراه “فريق منسقو الاستجابة” في إدلب بتاريخ 4 من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، شمل 78521 نازحاً من كافة الفئات العمرية، ضمن أكثر من 104 مخيمات، تبين أن المخاوف الأساسية لدى النازحين من حدوث أضرار ضمن المخيمات جراء العواصف المطرية والهوائية خلال فصل الشتاء بلغت نسبة 94%، ومن انقطاع الطرق الأساسية المؤدية للمخيمات بنسبة 82%، ومن تأخر وصول المساعدات الإنسانية إلى المخيمات نتيجة الأوضاع الجوية بنسبة 68%، بحسب الفريق.
أما أبرز احتياجات النازحين في المخيمات، فقد تركزت على المستلزمات الأساسية لفصل الشتاء تحديداً، وخاصةً فيما يتعلق بتأمين مواد التدفئة، حيث بلغت نسبة من طالبوا بتأمين وقود التدفئة بمختلف أنواعه 98%، وتأمين مدافئ جديدة أو استبدال القديمة منها نسبة 56%، واستبدال الخيم التالفة ضمن المخيمات بنسبة 48%، وتأمين عوازل مطرية جديدة للخيم بنسبة 85%، وتسوية وعزل أراضي المخيمات بنسبة 92%، ومستلزمات أخرى (ثياب شتوية، وبطانيات..)، بنسبة 84 %.
وأشار الفريق إلى أن أعداد المخيمات في مناطق شمال غربي سوريا وصلت إلى 1,489 مخيماً، يقطنها 1,512,764 نسمة من بينها 452 مخيماً عشوائياً يقطنها 233,671 نسمة.


احتياجات ضرورية وكثيرة!
من جهته محمد العبود (44 عاماً) مدير مخيم عشوائي في بلدة كفرعروق بريف إدلب الشمالي، يوضح احتياجات النازحين لفصل الشتاء: “المعاناة الأكبر لدى النازحين تتلخص في غياب مشاريع توزيع مواد التدفئة وتبديل الخيام المهترئة، لذلك يقضون شتاءهم يرحّلون مياه الأمطار ويتتبعون منافذ تسرب المياه إلى داخل الخيمة”.
ويبين أن المعاناة لا تتوقف عند أوضاع الخيام، إذ تتحول الطرقات مع أول هطول للأمطار إلى مستنقعات طينية، يصعب المشي والتنقل عليها.
ويبين أن أبرز ما يحتاجه النازحون لمواجهة فصل الشتاء هو السلل الغذائية ومواد التدفئة وفرش الطرق بالحصى داخل المخيم.
ويضيف: “يعد الشتاء فصل الخير والعطاء، أما بالنسبة للنازحين فقد بات هماً يضاف إلى همومهم الكثيرة، وعبئاً يثقل كاهلهم”.

Exit mobile version