داخل مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في ساحة الأمويين وسط العاصمة دمشق وبينما يحتفل إعلاميو قناة “ تلاقي” التلفزيونية بدخولهم موسوعة” غينيس” العالمية للأرقام القياسية كأطول بثٍّ حواري تلفزيوني, يدور قرار لفصل مئة عاملٍ وعامل من كوادر الهيئة.
قرار الفصل هذا وُقّعَ من قبل وزير الإعلام في حكومة النظام السوري عمران الزعبي, وجاء بحق مراسلين ومحررين ومصورين ومخرجين من الكوادر العاملة في الهيئة سابقا حسب ما نشرت شبكة شام الإخبارية, والتي نسبت سبب القرار إلى تأييد المفصولين للثورة السورية.
وإن كان هذا القرار قد أُعزي لموقف سياسي من العاملين المفصولين, فإن ثمة ما يدفعه صحفيون آخرون خلال مزاولتهم لمهنتهم في تغطية الأحداث الدائرة في سورية, فالقتل والاعتقال والتغييب القسري هي مصائر تلاحقهم .
انتهاكات موثقة بحق الصحفيين خلال تغطية الأحداث في سورية:
في آخر تقرير لها, أعلنت رابطة الصحفيين السوريين وهي منظمة تُصدر تقريرا شهريا عن الانتهاكات الحاصلة بحق الصحفيين المعنيين بالتغطية في سورية عن توثيق مقتل 257 صحفياً منذ آذار/ مارس 2011 حتى الآن, ومؤخراً صدر تقرير يرصد الفترة ذاتها عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان سجل 31 حالة اختفاء لصحفيين, 22 منهم معتقلين لدى النظام السوري, و6 صحفيين محتجزين لدى تنظيم الدولة و3 بيد مجموعات مسلحة حسب وصفها.
أين الصحفيين من مساعي حمايتهم
“بالنسبة إلي الأمان هو آخر همي.. نحنا عشنا الموت كل يوم في مناطقنا تحت القصف”.
هكذا أجابت نيرمين عبد الرؤوف وهي صحفية تعمل لوسائل إعلامية ثورية في سوريا, لدى سؤالها عمّا إن كانت قد فكرت بمسألة أمانها الشخصي خلال تغطيتها الصحفية, وأضافت عبد الرؤوف أن الحديث عن أمن الصحفيين وحمايتهم هو ترف و شأنٌ سابق لأوانه قبل انتهاء الحرب خصوصا أن المشهد الإعلامي السوري بوضعه الحالي يمتلك المرونة تُجاه ضم صحفيين جدد إضافة لشريحة المواطنين الصحفيين والذين تغلب جرأتهم وحماستهم على اهتمامهم بالأمان, لاسيما مع تعدد الجهات التي تتهددهم كتنظيم الدولة الإسلامية المسيطر في شمال وشرق سورية على سبيل المثال لا الحصر.
حسام المحمد وهو ناشط إعلامي يزود قنوات تلفزيونية عديدة بتقارير مصورة من الغوطة الشرقية في ريف دمشق والتي تشهد قصفا متواصلا من النظام السوري, أجابنا عن نفس الاستفسار بأنه “يتوكل على الله”, فالموت هو مصير مكتوب يواجه الصحفيين وغيرهم في ساعة محددة وأنه أصبح أقل خوفا مما كان عليه في بدايات نشاطه الصحفي فثمة أحداث إن امتنع بداعي الأمان عن تغطيتها فإنها لن تصل إلى الرأي العام وستنسى دون أن يلتفت إليها أحد.
إذاً من يتابع الانتهاكات
عادة ما ترصد المنظمات المدنية المختصة بالعمل الصحفي أو بالتوثيق ما يحصل من انتهاكات بحق الصحفيين ولكن ثمة مسؤولية أوسع من الرصد والتوثيق على البعض منها, وحين سؤالنا عما إن كانت تلك المنظمات تمارس أي ضغط تجاه وقف الانتهاكات أجابتنا السيدة مايسة حسين وهي عضو رابطة الصحفيين السوريين بأن المهمة الحقيقية التي تقف وراء هذا التوثيق هو حشد عدد من المناصرين تجاه وقف الانتهاكات الحاصلة بحق من يمارس مهنة الصحافة في سوريا, ولكن لم تتمكن أي جهة من تحقيق مهمتها بعد بسبب التحدي الذي يتمثل بمعرفة من قام بالانتهاك, ومن المسؤول عنه خصوصاً في ظل انتشار السلاح وتعدد الجهات العسكرية المتنازعة في سورية.
وحول الوضع القانوني المتعلق بالانتهاكات التي تمارس على الصحفيين في سوريا, أكد أحد مستشاري الفاعليات التدريبية التي تعقد لعاملين في مؤسسات إعلامية سورية جديدة لجريدة “طلعنا على الحرية”, بأنه ما من جهة رسمية اليوم تمتلك الحق في إصدار قانون للمناطق التي ينشط فيها الإعلاميون خصوصاً العاملين في الوسائل الإعلامية الثورية, وبالنتيجة فهناك ممارسات وانتهاكات ستقع بحقهم دون أي مرجعية، وسيتبع ذلك لمحددات تضعها غالباً الجهات العسكرية المسيطرة على المنطقة التي يعمل فيها الصحفي.
ويضيف أن هناك العديد من المحاولات من قبل منظمات المجتمع المدني لوضع مواثيق تجنب الصحفي ممارسة أخطاء مهنية في تغطيته.
وتعد سوريا أخطر مكان في العالم لعمل الصحفيين منذ أكثر من عامين، وفقا للجنة حماية الصحفيين المعنية بحرية الصحافة حول العالم، ومقرها نيويورك وتقول اللجنة إن 69 صحفيا على الأقل قتلوا كنتيجة مباشرة للتغطية الصحفية في سورية منذ عام 2011.