شمس الدين مطعون
لم تجرؤ السيدة باسمة 54 عاماً أن تخبر جاراتها أنها تلقت جرعة لقاح كورونا، وبينما كانت النسوة تروي القصص المخيفة عنه قالت إحداهن: “سمعت إنو لازم ما نقرب جنب حدا أخد اللقاح، لأنو اللقاح يعني إصابة بكورونا وبتصيير العدوى أكتر”، وردت أخرى: “الحمد لله ما أخدنا ولا بدنا ناخد.. مو ناقصنا مرض”.
لا تخفي السيدة باسمة خلال حديثها لـ”طلعنا عالحرية”، خوفها بعد سماع تلك القصص، لاسيما أنها تقلت جرعة اللقاح منذ أيام عدة. لكنها تقول: “بعد أن عانيت من إصابتي بفيروس كورونا العام الماضي، لم أتردد بأخذ اللقاح، لأن زوجي وابنتي وزوجها أيضاً أخذوا اللقاح قبلي، ولم تظهر عليهم أي آثار جانبية”. وتوضح السيدة أنها لم تعاني بعد تلقي اللقاح من أي أعراض جانبية تذكر، سوى من ارتفاع طفيف بالحرارة وألم موضعي مكان تلقي إبرة اللقاح وقد زالت آثاره بعد يومين.
وكانت فرق الدفاع المدني في الشمال المحرر أعلنت في بيان صادر عنها أن الذروة الجديدة من فيروس كورونا، التي بدأت قبل نحو شهرين لا تزال مستمرة، دون وجود أي مؤشر على تراجعها في المدى المنظور.
ودعا البيان الأهالي لضرورة أخذ اللقاح واتباع إرشادات الوقاية من الإصابة بفيروس كورونا، مثل ارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي وتعقيم اليدين باستمرار.
إلا أن شرائح كبيرة من المجتمع أبدوا قلقهم، معلنين مقاطعة اللقاح، فلم تكن جارات باسمة هن فقط من تروين الحكايات عن اللقاح وينسجن الأضرار من وحي خيالهن أو من صفحات الفيسبوك و مجموعات التواصل عنه، حيث يحجم الناس في محافظة إدلب بشكل ملحوظ عن تلقي اللقاح، في ظل ارتفاع عدد الإصابات يومياً.
يقول حسن إنه بعد تلقيه الجرعة الأولى من لقاح كورونا أخبر أصدقاءه عبر منشور على صفحته في فيسبوك، ليتفاجأ بطريقة التعليقات التي انهالت على منشوره، أقلها: “الله يعافيك … الله لا يضرك” و”حسبي الله ونعم الوكيل”! ويتابع: “قال لي أحد الأصدقاء جاداً الحمد لله يلي عندك ولاد.. لأن ع الأغلب ما عاد تجيب ولاد بسبب اللقاح”!
“ما حدا بموت ناقص عمر” بهذه الكلمات يعبر الشاب عمر 26 عاماً عن رفضه الحصول على لقاح كورونا، ويدافع عن رأيه بسؤاله: “كيف يمكننا أن نثق بلقاح وباء لم نعرف أصله بعد لنكتشف له علاجه؟!”.
ويشاطر الحاج عثمان 59 عاماً الشاب عمر رأيه، حيث رفض هو الأخر أخذ اللقاح، رغم كبر سنه وإصابته بأمراض مزمنة كالضغط والسكري. يقول الحاج: “ما متنا بكورونا.. بدهن يموتونا باللقاح”، ويضيف: “إذا الصين صنعت المرض لتقتل المسلمين، كيف بدي صدق إنهن عملوا لقاح حتى يعالجونا؟”.
هشام أبو المهند ممرض في إحدى مشافي مدينة إدلب، يرى أن السبب الرئيسي لعدم إقبال الناس على أخذ اللقاح ليس الإشعاعات والخرافات التي يتم تداولها وحسب، إنما يرجع السبب الأكبر لوجود شريحة كبيرة من الأطباء والعاملين في المجال الصحي والمثقفين ومن يتمتعون بمكانة عالية بالمجتمع رفضوا اللقاح ولا يشجعون الأهالي على تلقيه.
يقول أبو المهند سمعت أحد الأطباء في المشفى وهو يجيب أحد مرضاه عن تجربة اللقاح بقوله: “نصيحتي لا تخالط الناس، وعقم بيتك وعائلتك، ولكن لا تأخذ اللقاح، لأنه يسبب أضراراً أكتر من المنفعة”. ويبرر الطبيب رأيه بحسب أبو المهند بأن “اللقاح ينقصه التأكد من التجارب التي أجريت على الأشخاص الذين حصلوا على اللقاح، كما أنه ليس لدنيا الثقة بمصدر اللقاح الحقيقي”.
من جهته يقول عماد زهران مدير المكتب الإعلامي بمديرية صحة إدلب، إن “نسبة التغطية باللقاح في إدلب حتى الآن لم تتجاوز 2.75 ٪، وهي نسبة ضعيفة جداً”.
وقد بلغ إجمالي الجرعات المستهلكة خلال حملة اللقاح ضد فيروس كورونا في محافظة إدلب 107 آلاف و729 جرعة. وعدد الأشخاص الذين تلقوا الجرعة الأولى 536 ألف و92 شخصاً، بينما بلغ عدد الذي تلقوا جرعتين من اللقاح 298 ألف و90 شخصاً، وفق آخر إحصائية لمديرية صحة إدلب.
ويوضح الزهران أن جرعات اللقاح باتت متوفرة لجميع شرائح المجتمع، مبيناً أن اللقاح قد لا يقي من الإصابة بفيروس كورونا، ولكنه حتماً يقي من المضاعفات الخطيرة للمرض، كما أنه يمنح الجسم مناعة لمدة أطول من المناعة التي تلي الإصابة، كما أن مراكز العزل والعناية المشددة لم تسجل حالات لمن تلقى لقاح كورونا.
في المقابل فإن إقبال الأهالي على اللقاح ضعيف، إثر الشائعات المتداولة عن اللقاح، وتشير إحصائيات الفرق الطبية إلى أن نصف المجتمع ما زال يرفض اللقاح، على حين دقت الفرق الطبية في الشمال المحرر ناقوس الخطر جراء تفاقم أعداد إصابات كورونا، حيث بدأ القطاع الصحي يستنفد جميع إمكانياته المتاحة.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج