يكاد لا يمر أسبوع في هذه الفترة، إلا ويظهر للعلن صوت تركي يهاجم السوريين في تركيا، يهددهم، يتوعدهم، ويَعِدهم برجوع قريب إلى بلدهم، أو بالمزيد من القيود عليهم!
تميز شهر آب الماضي بحرارة لم يشهدها هذا الشهر بالسنوات الماضية، أصبحت درجة الـ40 مئوية شيئاً عادياً في مناطق جنوب تركيا وسوريا، ترافق ذلك مع سخونة بالأحداث التي كان محورها السوريون بتركيا، بدءاً من حادثة الاعتداءات على ممتلكات ومحال لسوريين في العاصمة التركية أنقرة، على خلفية مقتل تركي من قبل لاجئ سوري، مروراً بتصريحات بعض رجالات المعارضة التركية، الذين وضعوا في رأس قوائم برامجهم الترويجية للانتخابات ملف عودة السوريين إلى بلدهم.
وكانت من أبرز مشاهد هذه الموجة، قرارات رئيس بلدية مدينة “بولو” التركية “تانجو أوزجان” بمضاعفة رسوم فواتير المياه على السوريين 10 أضعاف، وتصريحات رئيس “حزب الشعب الجمهوري CHP” المعارض “كمال كليجدار” بأنه سيعيد السوريين خلال سنتين لبلادهم لو وصل حزبه للحكم.
فيما كان لعضوة حزب “الجيدİYİ “ المعارض “إيلاي أكسوي” تغريدة مغالطات حول منطقة الفاتح التي وصفتها بأنها “تعرضت للغزو والاحتلال وهي منطقة قذرة”، لتأتي التغريدة ضمن تدفق كبير من قبل العضوة مليء بالمغالطات والرسائل التحريضية ضد السوريين، فحسابها على التويتر يُعد نموذجاً للعنصرية السياسية والتطرف ضد اللاجئين، وخطاب الكراهية البائس.
ولا تكفي صفحات المجلة أو أي موقع إلكتروني للرد على أخطاء العنصريين ومغالطاتهم، ورغم أن هذا البلد يستضيف أكثر من 3.6 مليون سوري/ة، وفتح أبوابه للهاربين من نظام بشار الأسد وأشباهه، ورغم عدم نكران ما قدمته تركيا للسوريين، يجب أيضاً توضيح بعض الحقائق.
يعيش اللاجئون السوريون في تركيا كضيوف، يحملون بطاقة اسمها “بطاقة الحماية المؤقتة” أو “الكملك” تمنحها لهم السلطات التركية معتبرة إياهم ضيوفاً وليسوا لاجئين، لها إيجابيات، حيث يحصل حاملها على معظم حقوق المواطن التركي من طبابة مجانية بمشافي الدولة، وحق الدراسة وغيرها، فيما يتقيد حاملها بأي حركة، فلا يستطيع مغادرة مدينته التي يقيم فيها دون إذن سفر، وهو ممنوع من السفر خارج تركيا، وكل مدة زمنية يكون بحاجة لتحديث بياناته، وبالتالي، العودة لحياة الطوابير التي اشتهر بها نظام الأسد، وإن بصورة مغايرة.
وبعيداً عن “الكملك” بسلبياتها وإيجابياتها، ثمة سوريون آخرون يحملون بطاقات إقامة جرت تسميتها بين السوريين بالـ”الإقامة السياحية”، تسمح للسوري بالتجوال بين المدن والولايات دون إذن سفر، أو السفر خارج تركيا، لكنها تشترط دخول السوري لتركيا عبر المطارات، ومرتبطة بصلاحية جواز السفر؛ ما يعني أن مصير حاملها بيد النظام السوري، والقنصلية السورية الكارثية بإسطنبول، فيما استفاد سوريون وسوريات من الجنسية التركية الاستثنائية التي حصلوا عليها.
وفي ظل التحريض ضدّ الوجود السوري في تركيا، تغيب عن، أو تتناسى تلك الأصوات، الحقائق المذكورة سابقاً في المقال حول أوضاع السوريين، أو الدراسات التي تظهر من جهات عالمية، توثق ما يواجهه السوريون بتركيا، كالدراسة التي أصدرها “المركز الدنماركي للاجئين”، في آب /أغسطس الماضي بعنوان “اللاجئون السوريون.. تصورات حول سوق العمل الرسمي”.
الدراسة مليئة بالأرقام الهامة، شملت السوريين/ات في مدن أورفة- كيليس- هاتاي- كهرمان مرعش جنوبي تركيا، حيث أكدت أن السوريين ما زالوا يواجهون قيوداً بالوصول لسوق العمل الرسمي، ونحو مليون سوري يعملون بشكل غير رسمي دون حماية وحقوق قانونية، ما يضطرهم للعمل بوظائف منخفضة الأجر، تميل بحسب الدراسة إلى “الاستغلال الشديد وتتطلب جهداً بدنياً كبيراً”.
وأوضحت أن السوريين يعملون أكثر من نظرائهم الأتراك وبأجور أقل، فكل 3 من 4 سوريين يتقاضون أقل من الحد الأدنى للأجور بالساعة في تركيا، و 45 بالمئة من الحاصلين على بطاقة الحماية المؤقتة المشمولين في عينة البحث، يعيشون تحت خطر الفقر!
هذه الأرقام تتناسب مع ما طرحته منظمة “اليوم التالي” السورية العاملة بتركيا، خلال تقرير بعنوان “اتجاهات اللاجئين السوريين في تركيا نحو العودة” اعتمد على دراسة عينة من السوريين المقيمين في مختلف الولايات التركية، جاء فيه أن “ معظم السوريين وصلوا بين عامي 2013 -2014 ، معظمهم يعيش ضمن عائلات في مساكن مستأجرة، 52% منهم يتقاضون أجوراً تقل عن الحد الأدنى للأجور في تركيا”.
ومع تغافل هذه الأرقام والواقع، يتسع خطاب الكراهية ضد السوريين، وتضيق الأحوال عليهم، حتى أصبح من الطبيعي، في غازي عنتاب مثلاً، أن يتعرض السوري الباحث عن منزل للإيجار، للكثير من رافضي تأجير البيوت للسوريين الشهيرين بجملة “سوريالي يوك”، أو لمن يقبلون تأجير السوريين مع ابتزاز يتمثل برفع قيمة الإيجار الشهرية بشكل كبير، استغلالاً لحاجة السوري للمنزل.
وفي عام 2020 نشر “مركز توثيق الانتهاكات في سوريا” ورقة بحثية بعنوان “خطاب الكراهية والتمييز العنصري تجاه السوريين في تركيا”، رصدت ربط المشاكل بالتواجد السوري، كتراجع الاقتصاد مثلاً، ودور المعارضة السورية الهزيل بتصحيح الصور النمطية والمغالطات.
وجاء في الورقة نتائج لاستطلاع أجراه “مركز الدراسات التركية في جامعة قادر هاس”، منها أن نسبة الرفض التركي للاجئين السوريين وصلت إلى الـ67% عام 2019 بعدما كانت 57% في الـ2016،
واختتمت الورقة بتوصيات لتحسين أوضاع اللاجئين السوريين في تركيا، من قبيل “تيسير الوصول للعدالة لكافة اللاجئين، العمل على توضيح حقوق اللاجئين على الإعلام التركي، إنهاء حالة الحماية المؤقتة وتحويلها لحماية دولية (لجوء) أو إيجاد قانون يحقق الحماية للاجئ وفق معايير دولية، وغيرها من التوصيات”.
وهنا، لا يدرك العنصريون وأصحاب خطاب الكراهية، أن قسم كبير من السوريين في تركيا، جاؤوا مجبرين، وهذا ما يؤكده تقرير “اليوم التالي”، الذي خلص إلى أن “69 % من مجتمع البحث جاؤوا إلى تركيا لأنها كانت الخيار الوحيد المتاح لهم، وهذا السبب الأبرز لاختيار تركيا بلداً للجوء، و74% منهم يفضلون خيار العودة لسوريا”.
إذاً، تفاصيل كثيرة لا يتم الحديث عنها من قبل المعارضة التركية، وحتى من قبل الإعلام التركي عموماً، لتوضيح بعض المغالطات حول اللجوء السوري في هذه البلاد، الذي أصبح ورقة خارجية بيد أنقرة تهدد فيها أوربا بفتح الحدود، وورقة داخلية تلوح بها المعارضة التركية قبيل أي حدث انتخابي، لكن، بعيداً عن تحميل المسؤولية للحكومة التركية والأصوات التحريضية والعنصرية من معارضيها، وللمخطئين من اللاجئين السوريين، يطفو على السطح الفراغ الواضح للمعارضة السورية المقيمة في تركيا، الحليفة لأنقرة أو الخاضعة لها إن صح القول، هل فكرت يوماً بتشكيل لوبي يواجه خطاب الكراهية بالأرقام والبراهين الكثيرة، أم أن عقلية الخوف من الأسد انتقلت إلى خارج الحدود، وأصبحت متلازمة دائمة؟!
صحفي سوري مستقل، وخريج كلية الإعلام بجامعة دمشق. عمل في الصحافة منذ عام 2008 ونشر في العديد من المواقع والصحف العربية والعالمية.