“استثنائياً” وفي منطقتنا وأخيراً فشل السلاح وفشل العسكر، فالحمد لرب السماوات والحمد للمؤسسات والحمد للدولة العميقة والحمد لصوت الشعب، أن انقلاب فئة من الجيش التركي لم يصمد بوجه الصندوق وإرادة الشعب. المنتخب طلب من الناخب أن يحمي صوته، فلبى الناخب صوته ليس إلا، ووقفت المؤسسات بإرادتها مع الديمقراطية كما فعلت المخابرات التركية والشرطة والبرلمان والجزء الأكبر من المؤسسة العسكرية.
إن تركيا بشكلها الحالي اقتصادياً واجتماعياً، وكنظام حكم علماني يحمي الأقليات ويرضي الشعب المسلم في وقت واحد، مثال يحتذى به لإنقاذ ما تبقى من منطقتنا التي تتآكلها الأيام والحروب والتطرف والديكتاتوريات المقيتة، بدءاً من الأسد ومروراً بداعش وأحزاب صالح مسلم والحكومة العراقية الفاشلة والعسكر في مصر وليس انتهاء بالسعودية كنظام ديكتاتوري يمانع أي تطور من الممكن أن يطرأ على المجتمع المسلم؛ كتفسير النص والأنظمة الاقتصادية الحديثة والانتخابات الديمقراطية.. وهذه الممانعة هي خوف على السلطة ولا شيء غير السلطة.
ورغم أن العلمانيين الحقيقيين والليبراليين السوريين المعارضين أدانوا الانقلاب بمعظمهم، لكن اللافت أيضاً أن بعض مدعي العلمانية من “المعارضين طبعاً” فرحوا بأخبار الانقلاب، وتمنوا له النجاح؛ لا بل شتم أحدهم الديمقراطية ومعها الإسلام على صفحته في فيسبوك، مطالباً بإعدام أردوغان بحجة أن الإسلام والديمقراطية لا يجتمعان، ولنا أن نجزم بــ”السطحية” التي يعاني منها هؤلاء “المتعولمون” الذين صاروا مكشوفين بأمراضهم وعقدهم وحقدهم على أنفسهم وعلى الشعوب التي لا ذنب لها في أنها جُهّلت عن عمد من قبل الديكتاتوريات العربية، وبدل البحث عن طرائق وأدوات لتوعية شعوبنا، أصبحت تحتل أبراجها العالية في “فيسبوك” وتشتم “الشعب الجاهل” وتتمنى له الفناء وتسب ديانته، ثم تخبره أن لا مهرب لهم من النصوص القرآنية التي تصرح بالتحريض على القتل.
يحقد هؤلاء المرضى على تركيا لأنها نجحت -دون القضاء على الشعب المسلم- في تجربتها الديمقراطية، يحقدون عليها وعلى شعبها وجوامعها لأن المآذن نادت بالحفاظ على ديمقراطية الدولة. هؤلاء لا يختلفون عن عبدة الأسد، لا يختلفون عن أدونيس، لا يختلفون عن هتلر؛ لأنهم يعتقدون أنفسهم نخباً صافية لا مثيل لها، وأن على العامة اتباعها بالحذافير، ولو أن واحداً منهم وصل إلى الحكم لما اختلف كثيراً عن بشار الأسد الذي يدعي العلمانية، ثم يستعين بزعران الأرض لتحويل ثورة الديمقراطية إلى حرب دينية وطائفية.
المبادئ لا تتجزأ، وسنبقى ندينك أيها المثقف النخبوي لأنك قلت فلتذهب الديمقراطية الإسلامية إلى الجحيم، لأنه لا يمكن أن نسقط كلامك على الواقع إلا بديمقراطية مع إبادة المسلمين، أو بمسلمين يحكمهم العسكر ويزيد تطرفهم، الإسلام الشرق أوسطي له تجربة ناجحة بإعادة إنتاج الإسلام البدائي الذي وصل من الجزيرة العربية ليكون ديناً مقبولاً في الغرب والشرق، وغامر واجتهد في إعادة تفسير نصوصه، هذا إلى ما قبل الديكتاتوريات التي أوقفت كل شيء له علاقة بالعلم، بل عادت بنا إلى مربع الإسلام الأول حيث الانفصام الكبير بين الواقع وبين المسلم.
يقول هؤلاء الذين أيدوا الانقلاب إن الحل في تركيا هو العلمانية. ومن هنا نستنتج جهلهم بنظام الحكم التركي القائم بالدرجة الأولى على العلمانية. لكننا نحمل لهؤلاء باسم الشعب الذي يتهمونه بالجهل رسالته البسيطة التي يكررها دائماً؛ وهي موجهة خصوصاً إلى من شتم الديمقراطية وشتم مؤيديها من كل الأعراق والأديان، نقول إن كل حاكم في لحظاته الصعبة يستعين بطرف يستمد شرعيته منه وقس على ذلك، فبينما استعان الرئيس التركي بشعبه على دبابات الجيش التي حاولت القضاء على الديمقراطية التركية إلى الأبد، استعان بشار الأسد بالدبابات لتحميه من ديمقراطية يطالب بها شعبه.
كل ما سبق كان حديثاً عن نخب معارضة للنظام، وللمؤيدين قصص أخرى خلال تداعيات الانقلاب لا تستأهل الخوض فيها كثيراً، فأحسنهم كتب متمنياً لأردوغان الإعدام رغم أنه يؤيد أحمقاً قتل عُشرَ شعبه مع ابتسامة، بينا المدعو أردوغان رجل سوي ولم يقتل مواطناً تركياً واحداً، ولا يبتسم أثناء الأحداث الجلل.
أما لو أن الانقلاب نجح لكانت ثورة السوريين اليوم في “خبر كان” على المستوى العسكري والسياسي، ولتم تحويلها بالكامل إلى حركة إرهابية، واختصارها وتقزيمها كما يريد الأسد وروسيا وأمريكا، ولكان مصير مليوني سوري يعيشون في تركيا معززين مكرمين بثورتهم على شفا الاعتقال أو الذبح أو التسفير أو الضرب على أقل تقدير، لذا فالحمد لله ثم للمؤسسات ثم للدولة العميقة ثم للشعب والصناديق.
نبيل شوفان صحفي سوري عمل في العديد من التلفزيونات والإذاعات العربية والسورية وله مقالات رأي وتحقيقات استقصائية في العديد من الصحف