مجلة طلعنا عالحرية

السوريات في مواجهة قمع كلمتهن الكلمة مقابل النار

هنادي زحلوط

لم يكن الانترنت ومنذ بداية دخوله إلى سوريا سوى أداة جديدة من أدوات القمع المستعملة ضدّ المجتمع السوري عامّة، وضدّ النساء فيه بشكل خاص. وبينما تشكّل الضغوط العائلية والمجتمعيّة المطرقة التي كانت تهدد النساء في بوحهن عمّا يشغل بالهن وفي الكتابة عن هواجسهن، مثّل قمع النظام السندان الذي اتكأت عليه كل هذه الضغوط، والركيزة الأساسيّة لكل أشكال القمع الأخرى.

مدونات كثر، وكاتبات سوريات، لم يشفع لهن شيء في تضييق السلطات وخوفها من سلطة الكلمة.

ربما تكون “طل الملوحي” أصغر المدونات السوريات اللواتي تعرضنّ لذلك.. فقد لاحقتها السلطات الأمنيّة، مُطالبة إيّاها بمراجعتها بشكل دوري قبل أن تقوم باعتقالها تعسفيّاً ومحاكمتها وهي في الثامنة عشر من عمرها، ليكون الحكم الصادر بحقها خمس سنوات، قضتها طفلة وشابة، وانقضت مدة حكمها دون أن تسمح السلطات المعنيّة بإطلاق سراحها، مُبقية إيّاها رهينة لديها!

كثير من الشابات السوريات اعتقلتهن السلطات السورية، أو هددت باعتقالهن، واستعملت الضغط على عائلاتهن ضغطاً إضافياً لإيقافهن عن الكتابة، هؤلاء كنّ قبل اندلاع الثورة السورية في آذار من العام 2011 معزولات اجتماعياً، إن لم يكنّ معزولات عائلياً. منهنّ معتقلات سياسيات سابقات من مرحلة الثمانينات، لم تترك الأذرع المخابراتية للنظام فرصة لتشويه سمعتهنّ عبر الفضاء العام أو الالكتروني إلاّ واستعملتها، لكن كثيرات منهنّ بقين يكتبن، ويحلمن، ومنهن الكاتبة والسجينة السياسية السابقة “حسيبة عبد الرحمن”، وغيرها كثر.

كما شكّلت الثورة السورية أملاً وفضاء جديداً لجميع السوريين، فقد كانت أيضاً فرصة للنساء السوريات للانطلاق بالعمل، كاتبات وناشطات إغاثيات، وحقوقيات، وسياسيات. وقد أعطت المظاهرات النسائية كما المظاهرات المختلطة التي خرجن فيها زخماً لصوتهن الذي بدأ يتعالى في الفضاء العام، مطالباً بإنصافهنّ من النظام ومن القانون، ومن المجتمع كذلك.

نذكر جميعاً مع بداية الثورة المضايقات والاعتقالات التي تعرّضت لها أسماء بارزة في الوسط الإعلامي والفني السوري، بينهن الممثلة “مي سكاف”، والإعلاميّة “لينا محمد”، والكاتبة “سمر يزبك”، وكثيرات أخريات. فيما واصلت كثيرات مجابهة قمع النظام الذي خبرنه على مدى عقود، فكانت الحقوقية والكاتبة “رزان زيتونة” والناشطة السياسية “سميرة الخليل” حاضرات في كثير من المظاهرات، وقد اعتدن مجابهة الديكتاتوية وألاعيبها الأمنية القذرة.

طُلبَ إلى المعتقلات من النساء كما طلب إلى نظرائهنّ الرجال التصريح عن كلمات المرور الخاصة بهنّ إلى علب بريدهنّ الإلكتروني وإلى صفحاتهن الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتمّت مصادرة حواسيبهن الشخصية، وتسريب صور خاصة، والتهديد بفضح رسائلهن، واطلاع عائلاتهن عليها، وكان التعذيب بانتظار من تحدّت وفضّلت أن تواجه الديكتاتورية حتى النهاية.

أما النساء الطليقات فلم يسلمن من عبث أذرع النظام وقمعه للنساء، فكانت الملاحقة والتفتيش سبيلها مرة. وكان نشر الشائعات وتلفيق الصور أسلوبهم في مرات عديدة. ولا شكّ بأنّ هذه الأساليب كانت تعتمد على موروث اجتماعي كرّس التمييّز ضدّ النساء، على مدى عشرات السنين، وتمّ تكريسه حتى في القوانين السورية، ولم تستطع الثورة الراهنة رغم الحضور الكثيف للنساء فيها أن تكرّس نصوصاً وموروثاً ينتصر للنساء السوريات ويقف معهنّ ضدّ رغبة النظام في النيل منهن، بوصفهن معارضات وسيدات سوريات وأمهات أعلين كلمة الوطن فوق كلمة المجرمين!

قصص من مثل ما تعرّضت له السيدة “سهير الأتاسي” في قضية الصور المسربة، مثال عمّا تتعرض له السيدات السوريات فقط بوصفهن قياديات وسياسيات، وأسماء تتصدر المشهد. وهنالك سواها الكثير من القصص التي حاكها النظام أو أسهم في تنميتها إساءة منه لهؤلاء النساء، وفي المحصلة إساءة لثورة ينتمين إليها، ثورة قارعت أدوات ظلمه وكشفت زيف كذبه، وكشفت مرّات ومرّات فساده وانعدام الأخلاق لدى كبار رجالاته.

ولن يكون الرد على هذا السلوك التمييّزي سوى بتكريس قوانين مستقبليّة تحمي حقوق النساء السوريات بوصفهن مواطنات، متساويات في الحقوق والواجبات مع الرجال السوريين، في دولة مواطنة وعدالة تنصف وتعيد الحقوق إلى أصحابها. قوانين تتطرّق بوضوح إلى الحريّة الإلكترونيّة وتشجّع على حريّة الإعلام، وتكفل في الوقت ذاته خصوصيّة الكاتب وعدم التعرّض له إلاّ بموجب انتهاكه للقانون.

قوانين مثل هذه نحتاجها، كما نحتاج قانوناً منصفاً للأحوال الشخصية ينتصر لحق السوريات كمواطنات وشريكات في الوطن وبناء البلاد، ولن يتم ذلك إلاّ بعد تغييّر هذا النظام الذي أساء للبلاد، بل وقتل أو يكاد، كل ما هو جميل فيها.

مع نهاية العام 2016، نبدأ عاماً جديداً بأمل أنه تبقى متسع للكلمة الحرة. كل عام والسوريات مُتميّزات، ومُميّزات في مواجهة كل تمييز.

Exit mobile version