مجلة طلعنا عالحرية

الزبداني، وثورتها العظيمة / أنور عبّاس

11758940_521349324679427_973285523_n

البداية

حظيت لافتات الزبداني بشهرة واسعة بوصفها نموذجا للنضال الثوري الممعن في السلمية والوطنية. سلطت الضوء على قيم الثورة ومطالب السوريين المحقة بالعدالة والكرامة وحكم القانون, وأبرزت تمسك ثوار الزبداني بوطنيتهم السورية, ومحاربتهم للفكر الإقصائي والطائفي, وألهبت حماسة ثوار الزبداني وثوار المدن الأخرى, وبعد أن أصبح من المستحيل, في ظل الواقع المرير الذي آلت إليه المدينة في ظل الحصار والقصف اليومي ونزوح معظم أهلها عنها, رفعها في مظاهرات الحرية, أو خطها على جدران المدينة, أصبحت الإنترنت هي المكان الوحيد الذي ترفع فيه, لكن قيمتها وشهرتها وجمالها لم ينقصوا أبدا.

تقول محدثتنا, ممثلة لجان التنسيق المحلية في الزبداني, بأن  مدينتها انبرت للمشاركة في العمل الثوري السلمي منذ اليوم الأول للثورة, حين خرج سبعة عشرة من أبناءها في مظاهرة الكرامة الأولى أمام الجامع الأموي يوم الخامس عشر من آذار 2011, ليعيدوا الكرة في اليوم التالي أمام وزارة الداخلية حيث واجه بعضهم الاعتقال. لم تتردد الزبداني, المدينة الجميلة القابعة على سفح جبلين متقابلين في سلسلة جبال لبنان الشرقية, بالخروج يوم الخامس والعشرين من آذار في أول مظاهرة شهدتها المدينة تضامناً مع درعا التي خرجت منها أولى مظاهرات الثورة العارمة يوم الثامن عشر من آذار. تجمع الأهالي خارج مسجد الجسر بعد صلاة الجمعة, وأطلق الشهيد وسام برهان أولى صيحات الحرية في الزبداني, والتي ترددت كثيرا بعدها, لتكون المدينة مصدر إلهام لكثيرين في أرجاء الوطن السوري الرحب, وزار الزبداني ناشطون من طرطوس والسويداء وسلمية ومدن وبلدات سورية أخرى وشاركوا في مظاهراتها ولمسوا حرص أهلها على الوحدة الوطنية وقيم الثورة النبيلة قولاً وعملاً.

تطور العمل الثوري

تطور العمل المدني في الزبداني بسرعة, وتم تأسيس لجان التنسيق المحلية فيها, وبعد تحريرها, تم تأسيس المجلس المحلي في الزبداني, والذي أوكلت إليه أعمال حماية الممتلكات العامة, وإدارة الأعمال الخدمية, والعمل الإغاثي والطبي وغيرها من المهام.

تقول محدثتنا: سرعان ما انخرط معظم الأهالي في المظاهرات, وأصبحت أيام الجمعة في البداية ومعها أيام الاثنين لاحقا أياما للمظاهرات الأسبوعية التي استمرت أشهراً طويلة, ورفعت فيها شعارات ثورة الكرامة والحرية, وأعلام الثورة, وأطلقت الأهازيج, وأصبحت هذه المظاهرات احتفالات جميلة, تشارك فيها نساء المدينة وفتياتها إلى جانب رجالها على قدم المساواة, فمن العمل الإعلامي, إلى الكتابة وخياطة اللافتات والإعلام والعمل الإغاثي والطبي, لعبت بنت الزبداني دورا بارزاً في العمل الثوري المدني.

كانت مظاهراتنا, تقول محدثتنا, تجوب شوارع المدينة انطلاقاً من ساحة الجسر, وكانت تعج بالحياة والطموح إلى الحرية. أصبحت المدينة خلية عمل ثوري, فمن طباعة مجلة طلعنا عالحرية, إلى التصوير والتوثيق, والبث وإرسال التقارير الإخبارية, كانت الثورة على قدم وساق.

لافتات الزبداني

ظهرت لافتات الزبداني منذ الأيام الأولى للثورة. يقول خالد خيطو, الذي أبدع مع مجموعته هذه اللافتات, ولازال يخطها حتى اليوم:

“كتبنا  اللافتات لنبين مطالبنا الحقيقية والمحقة من مظاهراتنا في الحرية والكرامة والمواطنة والرد على كل ما يقال في تشويه ثورتنا واول لافتة رُفعت في الزبداني  تقول “ لا سلفية ولا إخوان انا طائفتي الحرية” رداً على بثينة شعبان عندما ظهرت في مؤتمر صحفي تصف المتظاهرين بالعصابات الارهابية ولانتقاد مواقف الدول المعادية لثورتنا وشكر من يساعدنا. كانت لافتات الزبداني  صوت الثوار إلى العالم.

شارك الكثير من الثوار والأصدقاء صياغة أفكار هذه اللافتات, وكنا نتتاقش ونتفق على الجمل الأنسب من حيث المعنى والمبنى. في البداية كنا نكتب اللافتة الأقوى والأكثر تماشيا مع الحدث الراهن على القماش لترفع في مقدمة  المظاهرة, و نكتب أيضاً على ألواح الكرتون لترفع في قلب المظاهرة،  ومن ثم كتبنا لافتات مشتركة  بين المدن السورية, وكنا نشارك في الأفكار والكتابة حيث نكتب من كل مدينة كلمة يرفعها ثائر من المدينة ونكتب اسم المدينة عليها ونجمعها في لافتة واحدة باستخدام فوتوشوب لتظهر كلافتة واحدة يرفعها عدة أشخاص من مختلف المدن, لنبين للعالم وحدة الشعب السوري, وكتبنا لافتات موحدة من خلال لجان التنسيق المحلية حيث ترفع نفس الجملة بكافة المدن السورية,  وبذات الوقت, وعندما بدأ استهداف المظاهرات بقذائف الهاون بعد اقتحام شباط 2012 وتحول الثورة إلى العمل العسكري, صممت على الاستمرار بالعمل السلمي  وبدأت بالكتابة على جدران المدينة بأحجار الفحم متعمداً اولاً التذكير المستمر لثوارنا بأهداف ثورتنا, وثانيا تصويرها ونشرها عبر صفحة تنسيقية الزبداني ليراها العالم أجمع, وكانت تصف حال المدنية من حصار واستهداف بالقذائف والبراميل.

ومن ثم بدأنا تشكيل لوحات تمثيلية مع مجموعة من الشباب المحاصر داخل المدينة تتضمن السخرية والانتقاد ووصف الحال. وكتبنا اسماء غالبية شهدائنا في الزبداني,  ووصفاً لاستشهادهم وبطولاتهم, ومازلنا نكتب حتى اللحظة ولكن على كرتون فقط وللنشر عبر الانترنت. ترددت اصداء لافتات مدينتي لأنها محقة وصادقة ونابعة من شعب طيب كان يصبو لحريته وكرامته فوقف ضده العالم بأجمعه.”

الزبداني تحت النار

شن النظام حملات اعتقال في الزبداني استهدفت الكثير من الناشطين والثائرين, وفرض عليها حصارا خانقا, وأصبح يستخدم قذائف الهاون لاستهداف المظاهرات, ولجأ عدد من أبناءها إلى السلاح للدفاع عنها وأعلنوا تحريرها في كانون الثاني 2012. ثم شهدت المدينة الاقتحام العسكري الأول, وبعدها خضعت لحصار خانق وتعرضت على مدى الأعوام التالية إلى القصف يوميا  ونال الدمار من بيوتها وشوارعها, ونزح الكثيرون من أهلها إلى لبنان وإلى القرى المجاورة, وعانت الأمرين من غياب الغذاء والدواء والمحروقات, لكن ثوراها بقوا صامدين يدافعون عنها.

عن الوضع الميداني تقول محدثتنا بأن صمود أبناء الزبداني في الدفاع عنها في وجه الهجمة العتية الحالية يعد أسطوريا. فالمدينة محاصرة من جميع الجهات وتستهدف يوميا بعشرات البراميل والصواريخ والقذائف, ولازال أبناؤها يصدون المحاولة تلو المحاولة لاقتحامها ولم يتمكن الجيش الأسدي وميليشات حزب الله والمليشيات العراقية وما يسمى الدفاع الوطني بالتقدم شبرا واحدا على أي من محاور القتال. وتضيف بأن من يدافع عن الزبداني هم عدد من أبناءها الأبطال وسوريون أخرون انشقوا في الفترات السابقة عن جيش الأسد من الحواجز المحيطة بالمدينة ولجأوا إليها وانخرطوا في صفوف ثوراها, ولا وجود لمقاتلين أجانب في المدينة أبدا.

تبقى الزبداني فصلاً نقياً في كتاب الثورة السورية رغم غبار المعارك, ومعنى جميلا في حياة أهلها ومرتاديها الذين يبحثون عن الظل والماء أو عن معاني الحرية الجميلة, وهي المدينة التي تسرد كل تفاصيل الحكاية  السورية, وتشهد على صدق هذه الثورة وما لحق بها جراء إمعان النظام في إجرامه بحقها. وتبقى الزبداني نبضة في قلب كل سوري حالم بالكرامة.

Exit mobile version