في وقت أصبحت فيه المواطنة، أكثر من أي وقت مضى، مفهوماً جوهرياً لبناء سورية وطناً لكل مواطنيه، وبعد أن عرفت سورية في العقود الخمسة الأخيرة شكلاً فريداً من أشكال الاستبداد غُيّبت خلاله فكرة المواطنة عن البرامج التعليمية في المدارس وعن الممارسة في الحياتين السياسية والاجتماعية، كان لابد من خلق كيان مدني سوري يولي الأهمية البالغة لمسألة المواطنة، فكان أن أُسست “الرابطة السورية للمواطنة” (SL4C) على يد مجموعة من السوريات والسوريين في 15 كانون الثاني ديسمبر 2011.
تعرف الرابطة نفسها على أنها: “تجمع مدني طوعي لكل من يرغب في العمل على ترسيخ المواطنة وقيمها في سورية على صعيد العلاقة بين المواطنين. والعلاقات بينهم وبين الدولة. والعلاقات بينهم وبين المحيط الذي يعيشون فيه”.
وتؤكد الرابطة في موقعها الإلكتروني أنها “ليست تنظيماً سياسياً، وإنما تعمل في الشأن العام وتسعى إلى أن تكون ذات تأثير في المجتمع المدني”.
وهي “تؤمن أن أي شكل قد تنتهي إليه الأزمة السورية لن يقوى على بناء الدولة المدنية الديمقراطية المنشودة، وعلى تحقيق استقرار المجتمع، مالم يقم على أساس المواطنة الكاملة”. مشيرةً إلى أن تلك الأسس هي: “المواطنة، والحرية والمساواة والمشاركة والمسؤولية. بمعنى المشاركة الواعية والفاعلة لكل شخص دون استثناء ودون وصاية من أي نوع في بناء الإطار الاجتماعي والسياسي والثقافي للدولة”.
وبحسب الدكتور حسان عباس (رئيس الرابطة) فإنه “مع انطلاقة انتفاضة الكرامة، في سورية ظهرت، بشكل ملحٍّ، أهمية تملّك الشباب المشارك في المظاهرات السلمية لثقافة المواطنة. وثمّة أمران أكدّا هذه الأهمية: الأول هو أن المصطلح صار، بين عشية وضحاها، مصطلحاً تحشيدياً، تتناقله الأدبيات المؤيدة للانتفاضة دون أن تبيّن دلالته العلمية، ودون أن توضّح ما هي مبادئ المواطنة وما هي قيمها. أما الثاني فهو أن النظام قد عمل، من الأيام الأولى، على تقويض البعد المواطني للانتفاضة من خلال تطييفها أولاً (خطاب بثينة شعبان في 26 آذار 2011)، ومن خلال دفعها بالقوة نحو العسكرة (استخدام العنف بشكل مبكر ومتسارع) ثانياً”.
المواطنة هي الحل الأمثل
لا تدّعي الرابطة تمثيل أشخاص بعينهم، أو مجموعات محددة. فهي –والكلام هنا لـ د. حسانعباس- “(جسم مدني) مفتوح أمام كل من يرغب بالعمل من أجل تحقيق المواطنة في سورية. لهذا السبب لا تعتمد الرابطة مبدأ الانتساب، ولا بطاقة عضوية، ولا رسوم انتساب، ولا هيكلية تراتبية.. الرابطة (وهذا ما يفسر اسمها) تربط بين المواطنين السوريين الفاعلين من أجل المواطنة. وهذا الربط يكون من خلال العمل في البرامج والمشاريع القائمة.. تطرح الرابطة، أو تستقبل، برامج عديدة، وكل برنامج يضمّ عدداً من المشاريع، يعمل بها مواطنون مقتنعون بأن المواطنة هي الحل الأمثل لما يعترض الوطن السوري من تصدّعات. ربما أمكننا القول إن هؤلاء هم من تمثلهم الرابطة”.
ومن الأهداف المحددة للرابطة: نشر ثقافة المواطنة وقيمها والدفاع عنها، وتعميق المعرفة بالهوية الوطنية وثقافاتها، وكذلك تعميق الخبرات في قضايا المواطنة، وتكريس مفهوم المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين/ات، والعمل ميدانياً لتكريس مبدأ المشاركة في الحياة العامة، وترسيخ ثقافة التشاركية وثقافة التطوّع في الحياة العامة، والمساهمة في تأهيل الكفاءات في قضايا فض النزاع والسلم الأهلي والعدالة الانتقالية وغيرها من القضايا الملحة في المرحلة التي تمر بها سورية اليوم، والمساهمة أيضاً في تحسين أوضاع اللاجئين السوريين، والمساهمة في حماية التراث المادي وغير المادي والطبيعي.
وتؤكد أدبيات الرابطة، أن “دولة المواطنة التي تقوم على هذه الأسس، يتمتع فيها المواطنون بحقوقهم ويلتزمون بواجباتهم دون أي تمييز على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو الجهة أو العقيدة”. لافتةً إلى أنها “منظمة غير ربحية مسجلة في هولندا”.
مبادئ وقيم المواطنة في دليل خاص
ليس من المبالغة القول إن تغييب فكرة المواطنة يعد –بحسب الخبراء والمختصين- سبباً من أسباب الوضع الذي وصلت إليه سورية اليوم. وقد أظهرت استبيانات وحوارات قام بها فريق من الباحثين السوريين أن “معظم الناس يجهلون المعنى الحقيقي للمواطنة، بمن فيهم أولئك الذين يرفعونها شعاراً لدولة المستقبل”.
وفي هذا السياق أصدرت الرابطة مؤخراً، بالتعاون مع دار “بيت المواطن”، وبدعم من مؤسسةHivos الهولندية، القسم النظري من “دليل المواطنة”، والذي قام بإعداده فريق من الباحثين، هم: د.حسان عباس، وصباح الحلاق، وماريانا الطباع، وسام جلاحج. وقام بتنفيذه فنياً فايز علام.
وقد وضعت الرابطة مشروع هذا الدليل منذ سنتين تقريباً، وقامت بتطبيق مواده في ورشها التدريبية على المواطنة وقضاياها. وهو يتكوّن من جزأين، صدر الجزء الأول وهو القسم النظري، وتم الانتهاء مؤخراً من وضع اللمسات الأخيرة على الجزء الثاني، وهو القسم العملي الذي ستقوم الرابطة بإصداره قريباً بعد إخضاع مواده للاختبار العملي لتلافي ما قد يلقاه الباحثون والمتعاملون معه، من هنات وثغرات فيه”.
ويشرح الدليل بجزئه الأول بشكل أساسي معنى المواطنة، والمبادئ التي تقوم عليها وهي أربعة مبادئ أساسية: التشاركية، الحرية، المساواة، المسؤولية. ثم يعرض لأربع قيم من قيم المواطنة وهي: الكياسة، والتضامن، والوعي المدني والإنسانية.
كما يستعرض الدليل بعض القضايا المرتبطة بالمواطنة مثل: الجندر، العلمانية، الديمقراطية، حقوق الإنسان، التعليم، التنمية المستدامة، المجتمع المدني، والثقافة. بأسلوب مكثف لكنه واضح يتناسب مع الآليات المتبعة في ورش التمكين.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج