مجلة طلعنا عالحرية

الحياة والموت وشركاه / أحمد تي

BLB0a6ACcAEzS7K[1]

شعور بالطمأنينة يمتد وينتشر ليستقر بالصدر، طمأنينة ليس بالإمكان السيطرة عليها او اكتشاف كنهها، لكنها افرزت شعورا داخليا كمن كان يعدو متأخرا باتجاه المحطة ليجد قطاره لا يزال منتظرا، او شعور من أضاع شيئا ثميناً جداً ودقيقاً ثم وجده بعد ان قضى نهاره باحثاً عنه فاستقرت تلك الفرحة المتقافزة والساكتة بآن معا تحمل بطياتها الشكر لمحبينا لانهم لا زالوا على قيد الحياة، وكأن الموت لا يجاور الانسان بشكل كبير ولا يلاصقه، وكأن البشر حتى الان يفاجؤون ان اقترب الموت.
القبور محاذية للبيوت، شركة الموت محاذية لشركات الحياة، بل واحيانا متداخلة معها، مكاتب التنمية تدعم مكاتب الموت، والموتى يدعمون تلك المكاتب… تأملوا القبور والبيوت.. قسم الولادات وبراد الموتى… لنرى الموت بيننا قريب منا يجاورنا ويناجينا ينذرنا ويلوح لنا.. قذائف تعانق السماء… طائرات تخفيها الغمامات.. بنادقنا على ظهورنا ورصاصها بجعابنا… نعم انه الموت يرسل لنا ايماءات ضعيفة وظاهرة، يخبرنا اننا سنذهب.. سنرحل طوعا او كرها.. لا ديموقراطية تحملها ادوات القتل، تموت او تقتلك، نسمع صوت ضوضاء ضخامة الجبال بمدافعها، ونسمع صوت السماء تلفظه طائراتها، نسد آذاننا.. نرفض التصديق.. نتابع سيرنا، عملنا، تسوقنا، اجتهادنا، اكلنا، نومنا.. نتابع ..
نرفض التصديق وندّعي الأمان، امان المسافة التي تحط بها ادوات الموت، ندعي الشجاعة بمفاضلة داخلية بأن هناك احياء كتب لهم العيش من جديد او ربما يكونوا ايلين الى الموت ان رأف الموت بحالهم، بحاجة من ينقلهم الى شركاتهم، نسرف بشجاعتنا لنهرب من وحش الخوف، نسرع بنقلهم متمنين لهم قرار التعيين الجديد بشركات الحياة، نلهي انفسنا بأي عرض ظاهر ونصنعه ان لم يوجد، نشتري البيوت والاثاث، نزرع البذور وكأننا سنراها حين تصبو وتورق وتنجب الثمار، نمتلك الاشياء ثم نرحل الى شركة الموت.
كم من منزل كان يزدحم بضحكاتٍ طفولية تتراكض وتحبو بداخله، كم من منزل اصبح يموت من برد حنينه اشتياقا لدفء كان يلف جدرانه بأُسرٍ هُجرت او ربما أُعدمت ميدانياً ليسكنه من جديد أُناس مهجرين فارين من الموت..
فجأة تكتشف ان الاشياء أكثر ثباتاً من الانسان، كم بذرة بدلت ناثرها وساقيها وجاني ثمارها على مر الفصول والسنوات، كم من كرسي واريكة بدلت جالسها..
فجأة.. نشعر ان الاشياء هي التي تبدلنا ولسنا نحن من نبدل الاشياء، كم من قطعة ملابس كانت تحمل بأنسجتها دماء الموت، نعالجها.. ننظفها ونتوارثها من شخص لا نعرف عنه شيئاً سوى اننا وجدنا رائحة موته بقطعة تباع بمحال الالبسة المكررة والمستعملة..
ما نرتديه الان سيبدلنا بعد امد قريب، وكأنه هو الذي يرتدينا ليذهب لشخص اخر كي يرتديه، ونحن سنخرج عراة.. ستودعنا كل الاشياء وستبدلنا.. سنرحل عراة من كل شيء الا من انفسنا وما صنعت، سنرحل الى شركات الحياة الآخروية او الى شركة الموت بجحيمها ونارها.

Exit mobile version