الرقة: عبد الله الخلف
لم يكمل عبد الحميد النايف دراسته الجامعية نتيجة ظروف الحرب التي عصفت بمدينته الرقة، ولم يتمكن من الذهاب لمناطق سيطرة النظام لاستئناف تعليمه خوفاً من ملاحقة الأجهزة الأمنية، لـتظل الشهادة الجامعية حلماً يراوده منذ انقطاعه عن الجامعة أواخر سنة 2013، وهذا الشاب البالغ من العمر ثلاثين عاماً استطاع أخيراً هذه السنة العودة لمقاعد الدراسة، بعد أن تم افتتاح جامعة الشرق التابعة للإدارة الذاتية بمدينة الرقة في تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت.
وفي حديثه مع مجلة (طلعنا عالحرية) وصف عبد الحميد افتتاح الجامعة بـ”الفرصة الذهبية” التي أتيحت له ولكثيرين مثل حالته لاستكمال طموحه في إتمام دراسته الجامعية، ويقول: “كنت أدرس في كلية التربية بجامعة الفرات قبل ثمانية أعوام، ولكن بعد تحرير الرقة من قوات النظام تم تعليق الدوام في الجامعة، وانصرفت عن التعليم منذ ذلك الحين، واليوم تتاح لي الفرصة من جديد للعودة للجامعة”.
وهو اليوم طالب في كلية العلوم التربوية- قسم التربية (معلم صف)، ويبدو سعيداً وهو يتبادل الأحاديث مع زملائه في الكلية، وأعرب عن ذلك بقوله: “استعدت مشاعر غابت عني لسنوات طوال، قاعة المحاضرات، مقهى الجامعة.. عودتي لهذه الأماكن الدافئة التي حُرمت منها تنسيني لحظات القصف المرعبة وسنوات حكم تنظيم داعش التي عشتها محروماً من الدراسة”.
وتضم جامعة الشرق كليتين ومعهدين، وهي كلية الآداب والعلوم الاجتماعية، والتي تضمّ قسم الأدب العربي فقط، وكلية العلوم التربوية، والتي تتألف من خمسة أقسام وهي: “تربية معلم صف- بيولوجيا- رياضيات -فيزياء -كيمياء”، بالإضافة لمعهد تقني قسم حاسوب ومعهد لغة إنكليزية.
وتم تشييد الجامعة على أنقاض كلية العلوم التابعة لجامعة الفرات سابقاً شرقي المدينة، ولم تفصح إدارة الجامعة عن التكلفة المادية لإنشائها، وتضم حالياً 110 طلاب بحسب د. خليل العلي نائب رئيس الجامعة.
ويقول د. خليل إن “الجامعة تعتمد على النظام الديمقراطي البعيد عن التوجهات السياسية، لتنمية القدرات البشرية في المنطقة باختصاصات مختلفة”، موضحاً بأنها الجامعة الرابعة في مناطق نفوذ الإدارة الذاتية بعد جامعات “عفرين بمدينة عفرين بحلب وروج آفا بالقامشلي وكوباني بريف حلب الشرقي”.
وتابع قائلاً: “بدأنا بالمشروع قبل سنة، أولاً أعلنا عن طلب أكاديميين للتدريس في الجامعة، ولدينا حالياً كادر تدريسي يضم حملة شهادات دكتوراه وماجستير، بالإضافة لإجازات جامعية لذوي خبرات سابقة، والبعض منهم كانوا يدرّسون في الجامعات التابعة للنظام، ويبلغ عدد الكادر التدريسي 27، بالإضافة لـ 32 إداريين وموظفين في الجامعة”.
ويلفت د. خليل إلى أنهم لم يتقيدوا بعمر محدد أو سنة معينة للشهادة الثانوية بالنسبة للطلاب، واستقبلوا جميع الأعمار والشهادات، وذلك “نتيجة ظروف الحرب وانقطاع الآلاف عن دراستهم في السنوات الماضية”. منوهاً إلى أنه “تم إنشاء سكن للطلاب القادمين من مناطق بعيدة في ريف الرقة وباقي مناطق شمال شرق سوريا، يضم أربع وحدات سكنية، اثنتين منها للإناث واثنتين للذكور، وتستوعب 600 طالب”، وبسبب عدد الطلاب القليل حالياً في الجامعة “تم قبول جميع الطلاب الذين تقدموا بطلب السكن في المدينة الجامعية التي تتوفر فيها جميع الخدمات الأساسية، والسكن مجاني بالكامل والدراسة بالجامعة أيضاً مجانية” وفق ما قال.
وحول عدم الاعتراف بالجامعة من أي جهة يقول د. خليل إنها ليست نقطة ضعف، مبيناً أن “الاعتراف ليس شهادة تعطى لنا من جهة أو دولة ما، الاعتراف نتاج عمل يحتاج لسنوات، ويعتمد على عدة جوانب، مثل كفاءة الهيئة التدريسية وجودة المنهاج ومدى فاعلية الجامعة وارتباطها بالمجتمع، هذه النقاط إذا حققناها ستعترف بنا الجامعات الخارجية”.
مضيفاً بأن هناك مكتب في باريس تابع لمنسقية جامعات شمال وشرق سوريا يعمل على إنشاء علاقات بين جامعات شمال وشرق سوريا وعدة جامعات أوروبية للحصول على الخبرات والاعتراف من هذه الجامعات، لافتاً إلى أن جامعات روج آفا وكوباني وعفرين بصدد إرسال طلابهم للخارج للدراسات العليا في الجامعات الأوروبية المتعاونة.
وتتكلم إسعاف بليلو، السيدة الخمسينية والمنحدرة من مدينة اللاذقية والتي تعيش مع زوجها في الرقة منذ 24 سنة، وتم قبولها في جامعة الشرق لتصبح طالبةً في كلية العلوم التربوية قسم تربية معلم صف بأن ذلك كان حلمها منذ أن انقطعت عن دراستها في تسعينيات القرن الماضي نتيجة الزواج، وتقول: “كنت أدرس في كلية الآداب قسم الأدب الإنكليزي في جامعة تشرين، تزوجت ولم أكمل دراستي، شغلتني تربية ابنتي، واليوم ابنتي كبرت ولم يعد هناك ما يمنعني من إكمال دراستي، تقدمت لجامعة الشرق وتم قبولي، وأخذت إجازة من عملي، فأنا معلمة في إحدى مدارس الإدارة الذاتية”.
وكانت الرقة قبل الحرب تضم جامعة الفرات الحكومية بالإضافة لجامعة الاتحاد الخاصة، وتم إغلاقهما بعد طرد قوات النظام عام 2013، وخلال فترة حكم تنظيم (داعش) بين عامي 2014 و2017 افتتح التنظيم جامعة خاصةً به، ضمت كلية طب بشري وأقساماً أخرى، ولكن الإقبال عليها كان ضعيفاً بسبب خوف معظم الأهالي من التنظيم وابتعادهم عنه.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج