مجلة طلعنا عالحرية

الحرب كمدخل لإعادة صياغة دور المرأة

علي جبر

دائماً ما كانت المرأة الحلقة الأضعف في أي مجتمع نتيجة التركيبة  الذكورية التي تقوم عليها معظم المجتمعات وبالتالي دائماً ما كانت تدفع الثمن الأكبر, إلا أنّ الثمن الذي تدفعه في الحروب والصراعات يبقى ثمناً باهظاً بكل المعايير, وخاصة إذا ما كان المجتمع محافظاً جداَ وبالتالي يُقيّد حركة المرأة ولا يعتمد عليها إلا في الحد الأدنى, مُقللاًّ من تمكينها في مختلف المجالات بدءاً بالتعليم وليس إنتهاء بالعمل الذي يعني إلغاء استقلالها الإقتصادي الذي هو سبيلها للعب دور فاعل ومنتج في المجتمع, وعلى العكس يتم إلحاق المرأة باقتصاد العائلة الذي يعتمد على الذكور بالدرجة الأولى. بعض الاستثناءات التي تعمل فيها المرأة غالباً يتم رفض مساهمتها في دخل الأسرة وينظر لذلك الدخل على أنه لا يتجاوز حدود المصروف الشخصي, إذ تعتبر مساهمتها في دخل الأسرة نوعاً من الإهانة ودليلاً على عدم كفاءة المعيل الذكر, ينسحب ما سبق على غالبية المجتمعات العربية لذلك لايشكل المجتمع السوري إستثناءً يذكر.

بسبب هذا التهميش والتحجيم لدور المرأة في فترة الاستقرار فإنها تدفع ثمناً باهظاً في الحروب والصراعات, إذا إن معاناتها في فترات الصراع تتناسب عكساً مع حجم التهميش الذي كانت تعيشه قبل ذلك. لكن ذلك في ذات الوقت يفتح آفاقا جديدة تحت ضغط الأمر الواقع ليؤسس لدور أكبر للمرأة في مرحلة الصراع وما بعدها. وإذ تغلب على صورة المرأة في حالات الصراع صورة الضحية, إلاّ أنّ المعاناة الحقيقية  في الغالب تتجاوز بعشرات الأضعاف ما يستطيع الإعلام تسليط الضوء عليه.

*-  الحالة السورية:

انتقلت المرأة في الحالة السورية من البيئة التي تألفها وتستطيع التعاطي معها وتوفر لها قدراً كبيراً من الإحساس بالأمان في ظل دورها المحدود الذي كانت تقوم به في الحياة التقليدية إلى حالة اللجوء بما تتضمنه من مصاعب جمّة. وفي بداية الثورة, لعبت المرأة دوراً أكبر من دورها التقليدي المعتاد واستشعرت قدرتها على القيام بأدوار تتجاوز الدور الاجتماعي السابق,  حتى بلغ بأحد المتظاهرين أن قال للنساء في إحدى المظاهرات: (مين عاد يقدر يضبكون أنتو يانسوان)!!.

إلا أنّ تحول الثورة  إلى المسار المسلح بداية, وإلى صراع إقليمي دولي ثانياً, قلب المعادلة وأصبحت المرأة الخاسر الأكبر, إذ تحوّلت من لعب دور يعزز قدراتها على كافة الصعد إلى خاسر على كل الجبهات. وتضاعف كل ذلك في حالة اللجوء التي تضطّر لها المرأة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه هرباً من الحرب التي تطحن كل من تصادفه في طريقها.

وسواء كان وضعها في اللجوء مع زوجها أو مع أطفالها فإنّ المعاناة تكاد لا تفرّق, وخاصة في حالة اللجوء إلى لبنان التي تفاقم صعوبة إن لم نقل إستحالة الإجراءات الرسمية, وفي كلتا الحالتين ستكون المسؤولة عن إعالة أسرتها, عبر العمل في أية فرصة ممكنة من العمل بالزراعة إلى العمل بالتعليم إلى المجالات الأخرى وهي غالباً ما تعمل في القطاعات ذات المردود القليل. ونتيجة لحاجة المرأة للدعم والرعاية فقد بدأت منظمات المجتمع المدني  التي تعمل على رفع وعي النساء ودعمهن تعمل في وسط اللاجئات في محاولة لسد جزء يسير من الحاجة لدى النساء في حالة اللجوء, وأنتقلت لاحقاً إلى لعب دور توعوي في كافة المجالات, لكن برزت أزمة كبيرة في عدم ترابط جهود هذه المنظمات وتنسيقها في خطط ذات استراتيجيات واضحة بناءّة.

بعض هذه المنظمات ركّزت على الحاجات الآنيّة للنساء خاصة في المرحلة الاولى من عمر اللجوء, فقدّمت دعماً لم يتجاوز حدود الحاجة المؤقتة, دون التأسيس لتغيير مستدام وبعيد المدى في دور المرأة وبالتالي في بنية المجتمع, كالتعليم المهني الذي ورغم الحاجة إليه لكنه لايخرج بالمرأة من الإطار النمطي. منظمات أخرى اهتمت برفع الوعي لدى النساء بحقوقهنّ وتوعيتهنّ على قضايا التمييّز على أساس النوع الاجتماعي “الجندر”, والتمييز ضدّهن في القوانين السورية وحتى الدستور, الأمر الذي قد يبدو للوهلة الأولى بعيداً كل البعد عن الحاجات الملحة للنساء.

إلا أن الجهود المبعثرة يمنة ويسرة دون رؤية واحدة وخطة واضحة قد لاتجدي نفعاً إذا لم تعد سلباً في بعض الحالات. لذلك يجب ان تركز الجهود على رفع قدرة المرأة على لعب دور أكبر من خلال تمكين النساء إقتصاديا بالدرجة الأولى, على أن يكون التمكين الاقتصادي مبنياً على التمكين العلمي الذي يتيح للمرأة الدخول إلى سوق العمل سواء كيد عاملة مؤهلة أو عبر مشاريع إنتاجية, بالإضافة إلى الحاجة لقدراتهن في مرحلة بناء سوريا الجديدة.

لذلك يجب أن تركز منظمات المجتمع المدني سواء كانت غير ربحية أو ربحية ليس فقط على رفع الوعي بقضايا النساء واتباع الطرق التقليدية والنمطية في تمكين النساء, بل يجب العمل على  وضع برامج طويلة المدى لتمكين النساء تستهدف إحداث فرق نوعي يتيح لهنّ لعب دور أكبر في كافة الجالات بما في ذلك السياسي منها بشكل يحدث نتيجة مستدامة ويخرج المرأة من الإطار النمطي الذي يضعها فيه المجتمع, مما يمكن أن ينتج تغييراً في نمطيّة دورها وتغييراً لاحقاً في دورها الاجتماعي والسياسي, إذ إنّ التوعية بشأن قوانين التمييز والمواد التمييزية لن تحدث فرقاً ما لم تكن النساء قادرات على لعب دور يتجاوز الواقع المؤقت الذي تطلع  به في مرحلة اللجوء, ويؤسس لدور مستدام بعد مرحلة الحرب تلعب فيه  المرأة دوراً محورياً أكبر من دورها قبل الحرب.

من المهم جداً أن تقوم كافة المنظمات العاملة في مجال حقوق النساء بتكوين تصوّر واضح, ووضع خطة بعيدة المدى, والعمل بالتوازي لتمكين النساء بشكل يثبت الدور الكبير الذي يقمن به في مرحلة اللجوء ويؤكد على قدرتهن على لعب ادوار أكبر بكثير من الادوار التي كنّ يلعبنها بشكل تقليدي في مرحلة ما قبل الثورة ولا يسمح بعودة الوضع إلى ما كان عليه سابقاً, ويثبّت الدور الذي يلعبنه والحقوق التي حصلن عليها, وعدم النظر إلى المرحلة الحالية كمرحلة مؤقتة لجهة الدور الذي تقوم به على أساس أنه وضع طارئ وستعود الأمور إلى ما كانت عليه وبالتالي خسارة كافة الجهود التي بذلت سدى.

Exit mobile version