مجلة طلعنا عالحرية

الحرب العالمية على الزومبي

تساعدنا بعض أفلام هوليود على فهم الطريقة التي يفسر بها الآخرون العالم. فحين تشاهد فيلماً ما، فأنت أمام وجهة نظر مختلفة، ومن غير المستبعد أن تجد مجتمعك وثقافتك ضمن دائرة الاتهام، سيما في بعض المواضيع الشائكة والحسّاسة التي تظنها محسومة ومتفقاً عليها إنسانياً، ثم تكتشف أنّ آخرين لديهم رواية منافية تماماً لروايتك. وتجد الآخر، الذي تعده متورطاً في كارثة عندك، يسوّق لفكرة مناقضة تجعل منك متهماً، وتجعله مستهدفاً لا حول له ولا قوة.

يعد فيلم حرب الزومبي العالمية World War Z، الصادر في العام 2013، المأخوذ من رواية تحمل نفس الاسم للكاتب ماكس بروكس، واحداً من بين أفلام كثيرة جسدت الصراع الأمريكي ضد خطر أو وباء أو هجوم شامل، يستهدف الوجود الأمريكي، والبشري بشكل عام، وهو هنا: هجوم الزومبي.

يأتي الفيلم ضمن سياق تاريخي تهيمن الحرب على الإرهاب على مجمل حيثياته، إن كان في الخطاب السياسي الغربي، أو التناول الإعلامي، مما جعل هذا الموضوع الحديث الأول للشارع الغربي، ومجالاً للتداول السياسي بين الأحزاب المتنافسة على السلطة.

فالعقل الغربي، الأمريكي أكثر من غيره، يسوق لحربه هذه بذات الطريقة التي تم فيها التسويق للحرب العالمية ضد الزومبي في الفيلم. حيث يتعامل هذا العقل مع من يضعهم ضمن خانة الإرهاب، بذات الطريقة التي تعامل بها الروائي مع كائنات غير بشرية، أو غير حية، فاقدة للمشاعر. فالزومبي جسد ميّت، لا يمتلك روحاً، ولا مشاعر، ونقتله دون أي إحساس بالذنب أيضاً.

وبمجرد أن يتحول الإنسان الطبيعي في الفيلم إلى (زومبي)، يفقد ما كان يتمتع به من حرمة بشرية، ويصبح قتله أسهل، وأقل وطأة على ضمير القاتل. وهذا ما تم فعله (واقعياً) مع أولئك الأشخاص الذين كانوا بشراً طبيعيين. ثم، وبمجرد أن اعتنقوا فكراً متشدداً، أو ارتكبوا أعمالاً عنفية، أصبحوا في نظر مكافحي الإرهاب كائنات غير بشرية، يمكن ممارسة أي فعل معهم، تعذيباً أو ترهيباً، لانتزاع الاعتراف. وقد يصل الأمر حد التصفية، للتخلص من هذا الوباء، وباء العنف الإرهاب!

يبدأ الفيلم وينتهي، دون أن تكتشف البشرية السبب الرئيسي لهذا الوباء. المهم في النهاية أنّ المنقذ، وهو موظف أمريكي طبعاً! كان يعمل لدى الأمم المتحدة، استطاع أن يجد علاجاً للمرض، وهو العلاج بالتمويه، من خلال حقن البشر الأصحاء بأنواع محددة من الجراثيم أو الفيروسات، مما يجعل الأجساد المصابة بها بعيدة عن دائرة الاستهداف من قبل كائنات الزومبي، والتي لا تستهدف سوى الأجسام السليمة من المرض.

أيضاً، لا يخلو الفيلم من إشارة لإسرائيل، بل كان مشهد القدس هاماً واستثنائياً، وبالذات حين تم تصوير جدار الفصل العنصري على أنه سبق إسرائيلي يستحق الاهتمام، كونه يدل على نبوءة إسرائيلية سليمة، وحكمة في الاستنتاج، حيث تم الانتهاء من بنائه قبل انتشار الوباء بأسبوع، بحسب الفيلم.

يظهر الجدار كفاصل بين عالمين، عالم الناس الأصحاء: وهم إسرائيليون، وعرب مسالمون تم تمريرهم من الحواجز لعدم ظهور علامات المرض على ملامحهم؛ فهم طبيعيون، مسالمون، يرقصون مع الإسرائيليين، ويشكلون معهم جبهة واحدة.

أما العالم الآخر: ويضم كل من هو خارج السور، وهم أشخاص متحوّلون، دمويّون.. كائنات غير بشرية، باختصار شديد، تسعى إلى اقتحام السور لنقل وبائها لجميع الأصحاء.. وتنجح بذلك في نهاية المطاف، برغم كل الاحتياطات والتحصينات. وهو ما يحصل (واقعياً) حين يعجز السور عن صدّ بعض عمليات المقاومة الفلسطينية!

في مشهد السور، تظهر الرواية إسرائيلية بامتياز. لكنها تحاكي أيضاً وجهة النظر الأمريكية في تصنيفها المعتمد للإرهاب، وفي طريقة حكمها على فصائل المقاومة إن كان في فلسطين أو غيرها من البلدان.. لكنّ السياق يعطي للإسرائيليين أفضلية، فهم أول من بنى الجدار، لصدّ هجوم الكائنات المتحولة. وفي الواقع، هذا إقرار بأسبقية الإسرائيليين في الحكم على العرب والمسلمين عموماً بوصفهم إرهابيين محتملين، أو إرهابيين فعليين، أو بمعنى آخر: كائنات متحولة، لا تستحق أن تعامل كبشر.

والفيلم بمجمله يتماهى مع النظرة الأمريكية للإرهاب، وكيفية التعاطي معه، دون التطرق إلى الأسباب السياسية والاقتصادية المحلية التي أدت إليه، وبالتأكيد دون الإشارة ولو من بعيد إلى دور السياسات العالمية في توليد التطرف، أو تعزيزه، في مجتمع من المجتمعات. لأن أي إشارة من هذا النوع تمثل إدانة للعالم ككل، وتجعله المسؤول الأول عن تحول التطرف، والموجود بالمناسبة في كل المجتمعات، إلى ظاهرة عالمية، ومراكز تستقطب اليائسين، والمرضى النفسيين، وأصحاب الدوافع الإجرامية.. وهم موجودون أيضاً في المجتمعات كافة.

للضحايا وجهة نظر مختلفة، ويملكون تعريفاً مختلفاً للزومبي، قد لا يروق كثيراً لمعتنقي وجهة النظر الأمريكية ولتصوراتها عن العالم؛ فالزومبي في نظر هؤلاء هو كائن (مهاجر) أباد سكاناً أصليين ليقيم حضارته على أرضهم، ولم يتوانَ عن إبادة مدن بأكملها كي يعلن نفسه قوة نووية لا تقهر، وهو كائن دعم ديكتاتوريات في دول العالم الثالث، وعقد معها صفقات ليمتص خيرات بلادها مقابل دعمه لها. ثم وحين قرر أن يزيح نظاماً ما، لسبب أو لآخر، فلم يتردد في احتلال ذلك البلد، وقتل مئات الآلاف من شعبه تحت ستار نشر الديمقراطية، أو مكافحة الإرهاب..

يرى الضحايا أنّ الإرهاب الذي تقوم به كائنات مريضة، ما هو إلا نتيجة طبيعية للتخريب الذي قام به نظام (الزومبي) العالمي الجديد.

—————-

مقتبس من الفيلم : “مشكلة معظم الناس أنهم لا يصدقون أن شيئاً ما سيحدث، إلا بعد أن يحدث بالفعل.. إنه ليس غباء أو ضعفاً، بل هي طبيعة البشر وحسب..”.

Exit mobile version