مجلة طلعنا عالحرية

الحامل السياسي للثورة والاحترام المفقود

Hama

الاحترام من الصفة الى المفهمة

بمراجعة لائحة طويلة لثورات البشر تاريخيا يتضح أن الحامل السياسي للثورة لم يكن مفصولا عنها كما هو الحال في الثورة السورية، لائحة لا تنتهي للثورات في الماضي البعيد والحاضر القريب، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، ثورات العبيد، الفلاحون ضد الاقطاع، الثورات البرجوازية، انتفاضات العمال، ثورات تحرر العالم الثالث، ظهور الأديان العظيمة ومآسيها، ثورات ضد الاستبداد، الأرجنتين وتشيلي … الخ.

وبغض النظر عن نجاحها أو فشلها (مجموع هذه الثورات)، لم تعرف بأغلبيتها ما شهدته الثورة السورية 2011 من انفصال حاد بين الناس المنتفضة وحاملها السياسي، بل أن الأخير في العام من تجربة البشر التاريخية بفعلها التغييري كان ابن الناس، كان منهم وأمامهم بجدارة، ممتزجا معهم بدفع الثمن المطلوب للتغيير..  (سبارتكوس ورفاقه علقوا على صلبان لأيام، غاندي واعتقالاته واغتياله في النهاية، رموز كبيرة للثورة الفرنسية، مثقفين كبار اعتقلوا وقتلوا، كرومويل الذي علقت جثته بعد نكش قبره، عمر المختار، ثائر اسكتلندا، صلب السيد المسيح، ثماني سنوات في مكة للرسول وأصحابه من تنكيل وتعذيب)، ويمكن إضافة صفحات عديدة، ثورات حاملها السياسي داخلها، رموزها أساطير دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه، سياسيون نالوا واستحقوا الاحترام بكل جدارة.

الاحترام (Respect)، هذه المفردة التي من الواجب أن تدخل القاموس الدلالي التاريخي لما لها من فعل وأثر أكثر منها صفة يستحق صاحبها التزين بها. فعل وتأثير على الناس المنتفضة الثائرة بالحفاظ على المبادئ التي ثاروا من أجلها، صمام الأمان بأن لا انحراف عن المنظومة الأخلاقية للثورة نواة المستقبل، نخب قادرة على القيادة وتحصيل القرار السياسي الضروري لنجاح التغيير، ليس المفتاح سوى أنها نالت الاحترام بدفع الثمن كما الناس أجمعين، وفعل وتأثير على الخارج، – صحيح أن المصالح هي اللغة الأهم في السياسات الدولية– لكن وكما يقول هيجل أن تكن كيانا جديرا بالاحترام فذلك له أثر لا يستهان به، أي أن الحامل السياسي للثورة عندما يستحق الاحترام قادر أن يكون ندا، أن يكون هامة، يحسب لها ألف حساب.

في سوريا وثورتها الكبيرة وتضحياتها الجسيمة:

1 –  أسس المجلس الوطني بعد 5000 شهيد و30000 مفقود، بعد نداءات استغاثة من الثورة للمعارضة بأن تتوحد وتنجز التمثيل السياسي للثورة، ثم الائتلاف بعد أكثر من 30000 شهيد وأضعاف هذا العدد من المفقودين.

2 –  كان الفصام حادا بين عذابات الناس (لاجئو الزعتري وعرسال، محاصرو الغوطة واليرموك، عشرات الألاف من المعتقلين) وبين رغد العيش الذي ينعم به (الحامل السياسي).

3 –   شعورا منه بنقص فادح بشرعيته في تمثيل الثورة (تلك الشرعية التي تنال كما نالها أساطير التاريخ عبر امتزاجهم بالناس)، بحث الحامل السياسي عن شرعية التمثيل بصناعة المخلوطة محاكياً النظام بذلك (عشرة سنة،  و3 علوية و6 مسيحية و4 دروز وكم حزب كردي وعشائر الجزيرة ووجهاء وووو وتيارات سياسية.. الخ)، مخلوطة تحاول أن تستر عدم الأحقية، ثورة من أجل الكرامة تستحق تمثيلا جديرا بالاحترام.

انتظرت الثورة السورية تمثيلها السياسي بفارغ الصبر ووضعت الكثير من الآمال عليه، كانت حمص الثائرة بكل أحيائها المنتفضة تقول “المجلس الوطني يمثلنا”، كذلك حوران والغوطة وريف حلب.. الجميع اعتبرها لحظة فاصلة وهي كذلك.

سنسمح لأنفسنا بوضع سيناريو متخيل على مستوى التضحيات، أن يأتي المجلس الوطني بقياداته الى باب عمرو أو إلى المناطق المحررة والمحاصرة، يعيش مع الناس ويتألم معهم (كما هي كل الثورات تاريخياً)، يشاركهم تظاهراتهم، وتشييع شهدائهم، ويسقط منه شهداء كما هو حال الثوار أنفسهم (المؤتمر الوطني الافريقي برئاسة نيلسون مانديلا كان على استعداد لمواجهة أحكام الاعدام، مانديلا الذي حاز على احترام شعبه والعالم بأسره خرج من السجن الى الرئاسة)، لكان نال المجلس الوطني احترام شعبه واستحق ليس فقط التمثيل السياسي بل القيادة نفسها.

ان وضعنا للمتخيل هو فقط لكشف فضيحة الواقع، فالذي حدث أن من يقدم التضحيات لم يستطع أن يقبل مجموعات فندقية تعبر عنه، العالم الخارجي الذي يراقب مأساة القرن الواحد والعشرين، اوروبا على الاخص التي تعرف الثورات ومأساة التقدم، والتي دفعت أفظع الاثمان لكي تصل الى ما هي عليه، اوروبا التي تدرك جيداً ماذا يعني الزعيم السياسي في عهد الثورة، اعتقد انها لن تنظر بعين الارتياح الى مجلس مرتاح وشعبه يذبح (مع العلم ان لها شهداء صحفيين قدموا أرواحاً ودماءً على الأرض السورية).

الاحترام من الصفة الى المفهمة، من التوصيف الى معنى من معاني العقل، هكذا هو التاريخ، لا شرعية الا لمن هم جديرين بالاحترام.

Exit mobile version