مثلما انتصرت “إسرائيل” وأسست دولتها فوق أشلاء الشعب الفلسطيني المشرّد يحاول النظام السوري الانتصار بتشريده السوريين في بقاع الأرض ليعلن أن الوطن “ليس لمن يسكن فيه بل لمن يدافع عنه ويحميه”.
ومثلما حولت الحركة الصهيونية مقولتها الأسطورة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” وجعلتها واقعاً “شرعياً” مفروضاً، يحقق النظام أسطورته الجديدة ويجعل من سوريا وطناً لشذاذ الآفاق.
لا تنفع التمنيات والرغبات في كسر هذه المعادلة ولا تكفي دعوة الناس للثقة بالتاريخ وعدالة غيبية. إنما ما يفيد حقاً هو الفعل الحقيقي للناس ومدى مطابقته لحاجات واقعهم، فالناس كما قيل يوماً: “هم الذين يصنعون تاريخهم ولكنهم لا يصنعونه على هواهم”.
والسؤال الذي يُطرح اليوم لماذا لم تستطع الثورة السورية كسب معركة الشرعية حتى الآن داخلياً أو خارجياً رغم كل الثمن المبذول من أجل ذلك؟! ولماذا لم تستطع قيادات هذه الثورة استقطاب التأييد لهذا الشعب المظلوم دولياً أو حتى كسب فئات شعبية واسعة داخلياً.
في هذا العدد يحاول العديد من كتابنا التطرق لهذا السؤال نظرياً وعملياً، ومن دون أن نغفل العامل الدولي المتآمر على أحلامنا نحاول التركيز هنا على العوامل الذاتية لهذا الفشل.
يحاول الكاتب ماجد كيالي أن يعرض أسباب الاستعصاء في مسار الثورة السورية ناقداً تشرذم القوى الثورية والسياسية وافتقادها للتنظيم، بينما يعرض مراسلنا أبو القاسم السوري من الداخل السوري المحاولات الأخيرة لتشكيل قيادة عامة مدنية وعسكرية وسياسية في الغوطة الشرقية المحاصرة والتي من المفترض أن تظهر للنور في أقرب وقت.
وفي مقال حمل عنوان “الثوار الإرهابيون” يكتب شوكت غرزالدين عن تناقضات الثورة وتداخل الثورية مع الإرهاب في تنظيمات فرضت نفسها على الأرض والناس “فهم ثوار لأنهم يعملون على تغيير الواقع القائم في سوريا، ويجاهدون لإسقاط النظام فيها. ولكنهم إرهابيون لأنهم يديرون المناطق التي قضموها “بإدارة التوحّش”، ويؤسسون لبديلٍ إسلامي أممي”.
ويكتب ماهر مسعود تحت عنوان “الفاشية والاغتراب في سوريا” عن هروب السوريين من الحرية سواء تحت قبضة النظام أو تحت قبضة التنظيمات المتطرفة “بات الجميع يقايضون حريتهم بأمنهم، فهل هناك ما هو أصعب وأقسى، وما هو أكثر اغتراباً ولا إنسانية، من مقايضة الحرية بالأمن؟”
وفي مقاله “الحامل السياسي للثورة والاحترام المفقود” ينقد فادي محمد الانفصال التام بين الثورة وحاملها السياسي الخارجي، تلك الظاهرة التي لم تعرفها ثورات أخرى نالت قياداتها (الاحترام) لأنها كانت بين الناس، “كانت منهم وأمامهم بجدارة، ممتزجة معهم بدفع الثمن المطلوب للتغيير”.. بينما افتقد الحامل السياسي للثورة السورية ذلك الاحترام لانفصاله عن الناس “الفصام كان حاداً بين عذابات الناس وبين رغد العيش الذي ينعم به “الحامل السياسي”. مضيفاً أن “الحامل السياسي للثورة عندما يستحق الاحترام قادر أن يكون نداً، أن يكون هامة، يحسب لها ألف حساب”.
في عددنا الثالث والخمسون أيضاً باقة متنوعة من الصور ورسوم الكاريكاتير والمقالات والتقارير الهامة لم نذكرها هنا لضيق المجال.. قراءة مفيدة نتمناها لكل قرائنا.
كاتبة صحافية وناشطة سورية من الجولان المحتل، نائب رئيس تحرير طلعنا عالحرية.