باسل مطر- مشروع سلامتك
في الآونة الأخيرة كثر الحديث عن أن الثورة السورية والسوريين اليوم يتحدثون مع أنفسهم فقط! ألوف الصفحات الإعلامية, وعشرات الألوف من الناشطين الإلكترونيين, والميدانيين ينقلون الأخبار, يوثقون الأحداث, ويخاطرون بحياتهم من أجل نقلها وما من أذن تسمع ولا عين ترى – إلا من رحم ربي- يا للحزن!
لم يعد من المجدي اليوم الحديث عن انتهاكات داعش والنظام بطريقة نقل الخبر الصحفي التي سادت في بداية الثورة ولازالت صفحة الثورة السورية وصفحة لجان التنسيق المحلية وشام الإخبارية تتبعها بحرفية محيرة مع كامل الاحترام لعملهم القيم. فخبر قصير عن قصف على دوما يودي بحياة عائلة لا يسافر بعيدا اليوم في الفضاء الإلكتروني الرحب, ليس لأنه خبر لا يستحق ذلك أبدا – فهو خبر قيم دون ريب, بل لأن العالم اليوم ينتظر أكثر من مجرد خبر. لقد مضى الوقت الذي كان فيه نقل الخبر أمراً هاماً في سياق الثورة السورية, فقد أتخم المستمعون والمتابعون أخبارا لحظية ويومية. يبحث العالم اليوم بل وربما ينتظر قصصاً من الأرض السورية. قصصا تشده. وعليه, فعلى إعلام الثورة (الاجتماعي تحديدا نظرا لأهميته في النقل والنشر وغيره أيضا من الإعلام التقليدي) الانتقال اليوم من نقل الخبر إلى صناعة القصة. لكن هذا لا يكفي, فعلى هذا الإعلام أن يخترق المجتمعات الافتراضية, ويصل إلى صلبها, لينقل قصصه وليسخر هذه المجتمعات لتحملها إلى غيره.
إليك بعض الأرقام التي قد تسبب لك صدمة العمر. يُرفع في كل يوم 350 مليون صورة على فيسبوك, وتتم مشاركة 4.75 مليار منشور مختلف (صورة, فيديو, ستاتوس الخ), ويستخدم فيسبوك شهريا ما يزيد عن 1.35 مليار مستخدم نشط, وهناك ما يزيد عن 52 مليون صفحة فيسبوكية في قارات العالم الست! أ ما تويتر فيستخدمه أكثر من 270 مليون شخص حول العالم يطلقون أكثر من نصف مليار تغريدة كل يوم. أين أنت, وأين هي قصصك وأخبارك في هذا البحر من المحتوى!
هذا فضاء هائل يعج بالآخرين, والكثير منهم يريد اختراقه بخبر ما أو صورة ما. هل تعرف يا صديقي أن معظم ما تنشره لا يصل إلا إلى عشرات قليلة من المستخدمين. هل تعلم أن 5% فقط من متابعي صفحتك على فيسبوك يرون ما تنشره في شريط الأخبار على جدارهم؟ وأن تويتر هو منصة أساسها التفاعل بين المستخدمين وأن إطلاق التغاريد واستخدام الوسوم التي تخترعها وحده لن يوصل أخبارك إلى العالم؟
هناك ثلاثة أمور أساسية يجب أن تتوفر لتصل قصص السوريين إلى العالم, وليكون استخدامهم لمنصات التواصل الاجتماعي (أو الإعلام الاجتماعي كما يسمى باللغة الإنكليزية) نافذة توصلهم إلى الناس, ويترك فيهم أثرا ويدفعهم لمشاركتها أيضا.
صناعة القصة: صناعة القصة هو فن دون شك حتى حين يعتمد على أحداث حقيقية. لا شك أن هناك الكثير من صناع القصص, لكن الملفت أن الكثيرين أيضا لم يتحركوا بهذا الاتجاه. على إعلام الثورة الانتقال بجزء كبير منه من نقل الخبر إلى صناعة القصة. إن القصة التي تحوي أسماء, وأماكن وحقائق وصور وتظهر حياة الناس تحرك المتلقي وتترك في نفسه أثرا أكبر بكثير من الأرقام وأعداد الضحايا وأخبار الدمار الغامضة أو الاشتباكات التي لا نعرف أطرافها.
معرفة الجمهور: على الإعلامي أن يحدد الفئة التي يريد إيصال قصته لها, ويبحث عما يحركها, ويشدها ويؤثر فيها. إن تحديد الجمهور لا يقل حيوية عن صناعة القصة ذاتها. لا يعني هذا تغيير الحقائق أبداً, بل يعني معرفة المفردات والصور والطريقة التي يجب تقديم القصة من خلالها لتصل إلى الفئة المستهدفة وتلقى أثراً.
معرفة منصات النشر وأدواته: يستخدم السوريون فيسبوك ويوتيوب (وتويتر بدرجة أقل كثيرا), لكن القلة القليلة ممن يديرون هذه الصفحات وهذه الحسابات تعرف كيف تستخدم هذه المنصات بطريقة استراتيجية. تكمل هذه المعرفة معرفتنا بالجمهور الذي نخاطبه. تعمل كل من هذه المنصات وفق أسس تقنية وتجارية معينه تختلف من منصة لأخرى. يعتمد تويتر مثلا على الوسوم لكنه أيضا يعتمد على التفاعل بين المستخدمين, ويعتمد يوتيوب على وسوم من نوع آخر. على الناشط الإعلامي معرفة دينامكيات عمل هذه المنصات وأسرارها لاستثمارها في نشر قصصه والوصول إلى أكبر عدد من الجمهور.
للحديث بقية في الأسابيع القادمة مع مزيد عن الاستخدام الفعال لمنصات التواصل الاجتماعي.
مشروع سلامتك