رفيف جويجاتي
النسوية في نظري تتمثل بالمساواة بين الرجال والنساء اجتماعياً وقانونياً وسياسياً، ومن هذا المنطلق، النسوية تساوي الإيمان بحق المساواة.
لعلّ تلك المقولة واضحة نظرياً، ومن السهل تبنيها وترديدها كشعار. لكن الواقع العملي يقول بأنّ النسوية، أو المساواة الكاملة بين الجنسين، هي حلبة صراع يتم فيها تحدي العادات الاجتماعية بشكل يُهدّد الوضع الراهن للمؤسسات الاجتماعية وهياكل القوى.
يقتصر دور النساء في العديد من المجتمعات على أدوار تقليدية، يأتي في طليعتها دور الأم المحبة والزوجة الحانية. وعلى مدى السنين ومع ازدياد المتطلبات الاقتصادية والوعي الاجتماعي أخذت النساء تتحدينّ محدوديّة أدوارهنّ وتطالبنّ بالتغييّر الاجتماعي والسياسي. اليوم تضغط نساء العالم على مجتمعاتهن وحكوماتهن لتبني مبدأ المساواة بين الجنسين في جميع المجالات، وقد نجحنّ في ذلك على عدة أصعدة، فباتت النساء حول العالم اليوم في مراكز قيادية في الحكومات والشركات وأصبحن خبيرات محترفات. تلك هي النسوية : تجسيد المساواة وإن لم تطبق بشكل مثالي.
في سوريا أدت مطالب الشعب بالمساواة والحرية إلى ممارسة النظام للقتل الجماعي بشكل يرقى إلى مرتبة الإبادة، فيما استمرت المعارضة من مؤسسات ونشطاء مستقلين بدعمها للثورة وتبني شعارات المساواة والكرامة والحرية لجميع السوريين. ولكن ما مدى ملامسة تلك الشعارات للواقع؟ عندما ننظر إلى معارضتنا “الرسمية” نجد أنّ الغالبية العظمى فيها من الرجال. وإن نظرنا إلى معظم منظمات المجتمع المدني نرى أنّ معظم رؤسائها رجال. فهل انعدام التوازن هذا هو نتيجة عوامل ومسلمات اجتماعية أم أنّه خوف من أن يؤدي تولي النساء لمناصب السلطة إلى تهميش الرجال؟
أعتقد أنه الخوف وليس المجتمع، ولو أنّ النظرة السائدة للنساء تلعب دوراً بالتأكيد. ولكن بغض النظر عن السبب، لا بد أن نعترف بوجود نقص حاد في تمثيل النساء السوريات- وهنّ أكثر من نصف الشعب السوري، ليس بسبب عدم تفاعلنا بل لأنّنا مُهمّشون. ومن باب الحرص على عدم تحويل “الحرية والمساواة لكل السوريين” إلى مجرد شعار، يجدر بنا أن نتبنى النسوية كأحد المبادئ التي تنير طريقنا.
من جهة أخرى، يلاحظ المُتمعن بالصور النمطية للجنسين في سوريا بأنّ المرأة الذكية ذات الآراء المستقلة والتي ترفض الرضوخ للترهيب توصف بأنها “قوية”، وهي صفة سلبية يقصد بها الإهانة والإيحاء بأنها “لا تتمتع بالأنوثة”. إذ تؤكد ثقافتنا على أهمية “الأنوثة الضعيفة” التي ترضخ للرجل في أدوار تتلخص بالزوجة أو الأم أو الأخت أو الابنة. فلم لا ندعم النساء الناجحات والقويات في البيت وفي أماكن العمل؟ ولماذا يعرّف الرجال الأنوثة بأنها انعدام صفات “ذكورية” كالاستقلالية والجرأة؟
لا بد من الاعتراف بدور النساء وتمكينهنّ كقوى سياسية واقتصادية عندما تنتقل سوريا إلى مرحلة إعادة البناء، ويتوجب علينا في مرحلة ما بعد الأسد أن نستفيد من جميع موارد سوريا البشرية بغض النظر عن الجنس. كما أنه لا يمكن للحكومة الجديدة أن تهمش أكثر من نصف شعبها وهي في طور الطفولة. كذلك يجب علينا كسوريين ألا نكتفي بترديد أهداف الثورة، بل أن نطبقها، وأن نجعل الحرية والكرامة والديمقراطية للجميع أكثر من مجرد شعارات مبتذلة، ونعمل على أن تشمل تلك المثل النساء على جميع الأصعدة. لا يمكن للمساواة أن تُمنح من قبل نظرائنا الذكور ولكن يجب أن يعترفوا بها، وإن تقبلنا مبدأ المساواة نكون قد تقبلنا مبدأ النسوية.
علينا كذلك أيضاً أن نكون واضحين في تعريف النسوية كجزء أساسي من المساواة بين السوريين، وأن نعمل على تطبيقها فيما نكتب ونقول، فلا نفترض تلقائياً مثلاً أنّ المدير أو المسؤول المنتخب هو ذكر بالضرورة، وفي ذات السياق يجب أن نتخلص من فكرة أنّ الأعمال الإدارية والمكتبية هي حكر على الإناث.
يمكننا من خلال الحيادية الجنسانية والدعوة إلى العلم أن نُغيّر النظرة السلبية للنساء. النظرة القائلة بأنهنّ غير مؤهلات لأعمال معينة لأنهنّ “عاطفيات”. أمامنا فرصة في سوريا المستقبل لدحض الادعاء بأنّ النساء “ضعيفات”، سوريا التي نسعى إليها بمطالبنا المشتركة، إذ سيتطلب ذاك البلد الذي ينزف من أجل المساواة والحرية للجميع مشاركة فعاّلة من جميع مواطنيه في كافة المجالات بغض النظر عن جنسهم.
يمكن لرجال ونساء سوريا من خلال التعليم والتدريب والتمكين أن يساهموا بتغيير النظرة الاجتماعية السورية وأن يأتوا بالتغيير اللازم حول المفاهيم المرتبطة بالجنس. وعلينا جميعاً كشركاء متساوين أن نضطلع بمهام منزلية وإدارية إضافة إلى أدوار قيادية في مجال الأعمال والمجتمع والحكومة.
حبّذا لو نرى نساء سوريات في مناصب سياسية واحترافية كرئيسات شركات وطبيبات ورئيسات بلدية وحاكمات ووزيرات وحتى رئيسات دولة. دعونا ننظر إلى المرأة كندّ للرجل تعمل معه جنباً إلى جنب. وليساهم الرجل في الأعمال المنزلية، ولنكن جميعاً متساويين عبر جميع شرائح المجتمع. دعونا نرى النساء السوريات يتمتعن بنفس الحقوق التي يتمتع بها الرجال سواء في الأحوال الشخصية أو فرص العمل والدراسة أو التمثيل السياسي.
أمّا على الصعيد المجتمعي، فلنتخلص من الأفكار القديمة التي توجب حجب النساء وعزلهنّ لحماية شرف العائلة. وبما أنّنا جميعاً منوطين بمهمة إعادة بناء مجتمعنا وثقافتنا ودولتنا، لعلّه من الأحرى بنا أن نعيد بناء تفكيرنا أيضاً، لنقِس الشرف بأخلاق العمل ومعاملة الغير وبإنجازاتنا عوضاً عن قياسه بالعذرية أو التقوى. علينا كسوريين جدد أن نقوم بذلك ليس فقط في بيوتنا، بل أيضاً في المشافي والمدارس ومواقع البناء ومجلس الشعب ومكتب رئيس الدولة. فلنطور ونصقل مقاييسنا للقيادة وللمؤهلات لنتمكن من استخلاص الأفضل. ولنكرم أخواتنا السوريات ليس فقط لأنهن فقدن أزواجاً أو آباء أو أبناء أو إخوة خلال الثورة، بل لأنهنّ يُمهدنّ الطريق نحو دولة جديدة للنسويين السوريين الأحرار.
مولودة في نيويورك، الولايات المتحدة، وعملت منذ زمن طويل على فضح جرائم نظام الأسد ضد الإنسانية. منذ آذار 2011، كرست نفسها للثورة السورية بدعم النشطاء داخل سوريا وخارجها من خلال عملها كمتحدثة وممثلة للجان التنسيق المحلية في سوريا. وهي مديرة مؤسسة استعادة التعليم و المساواة في سوريا (FREE- Syria) . وعضو اللجنة التنفيذية لمشروع اليوم التالي