مجلة طلعنا عالحرية

التقدّم إلى الوراء!

افتتاحية بقلم أسامة نصّار

في فيلم الخيال The Curious Case of Benjamin Button (ربما تُترجم: الحالة العجائبية لبنيامين باتن) يبدأ البطل (براد بيت) حياته معكوسة على خط الزمن؛ أي يكون في بدايتها عجوزاً هرماً، وكلّما تقدم به الزمن يصغر، ليصبح الشيخ الأشيب رجلاً، ثم شاباً فتياً، ثم يتقدم بالعمر أكثر حتى يصبح طفلاً كربوجاً في آخر حياته (أو بالنسبة لنا: في آخر الفيلم!)!
نقارن بين ما وصلت له الثورة السورية العظيمة أو حتى ما وصلت له سوريا العظيمة، وما كانت عليه. ويحضر السؤال: هل الثورة السورية مصابة بحالة بنيامين العجيبة؟
أستعير التشبيه من وجهين فقط؛ الأول أن الثورة السورية بدأت أفضل وأنضج، ثم تولدنت، والثاني أنها تبدو بعد عشر سنوات من عمرها لازالت في سن المراهقة.

عن الولدنة..
مدهش!.. ما الذي حصل؟ كنّا كباراً وصغرنا، نملك صوتنا؛ نسمعه ونسمِّعه، فلا عدنا نسمع بعضنا ولا أحد يسمعنا أصلاً..
بدأت الثورة كبيرة وحكيمة، وقالت خلاصة القول لحظة ولادتها: “حرية.. كرامة”، وكانت في أيامها الأولى تتكلم عن شعب واحد من المواطنين. ترفض العنف وتواجهه بشجاعة، وتقول إن البلد لأهلها. لكنها تقدمت بالعمر مثل بنيامين العجيب؛ أي تراجعت! “ومن نعمّره ننكّسه في الخلق”، فتغير الشعار من الكرامة والحرية إلى إسقاط النظام، ثم إلى إعدام الرئيس ثم متاهة من (الحظر الجوي مطلبنا) أو (قائدنا للأبد سيدنا محمد) أو غيرها من شعارات مزاوِدة، والتي تبدو تصعيداً أو تطوراً بينما هي في الواقع مسخاً وتراجعاً.

وعن المراهقة..
المراهق يتقن الرفض على طول الخط، ويتمرّد لأجل التمرّد، ولا يعجبه أحد أو شيء، يعرف جيداً ما لا يريده، ولا يعرف ما يريده. يشعر أنه محقّ وأن العالم لا يفهمه، فيستغبي الآخرين ويخطِّئهم -والكل بالنسبة له: آخرون-.
نذهب أبعد قليلاً؟ سيتعرف المراهق على رفاق سوء، ليتعلم التدخين والتنمّر وحمل السلاح، أو التفكير الإلغائي، وتبنّى الأفكار والمواقف بجذرية قاطعة، وربما عجز عن رؤية الألوان وتدرجاتها.. أو يتعاطى المخدّرات وجرعات من أحلام حلف النيتو وخطوط أوباما الحمراء!
وفوق كل ذلك يعيش المراهق تحت الوصاية، ويُعامل كقاصر حتى يبلغ الرشد.. إن بلغه!
ولعل هذا هو السؤال الجد بعد الهذر: هل سنبلغ رشدنا؟ هل ستعود لنا حكمة الكبار وفتوّة الشباب وحماس الأطفال؟.. كلها معاً!

Exit mobile version