مقالات رأي

التعزية والرحمة بين الدين والسياسة

مصدر الصورة: انترنت

هيثم الحموي

قبل أقل من شهر رحل المناضل الكبير ميشيل كيلو عن هذه الدنيا بعد حياة مديدة قضاها مقارعاً للاستبداد ومطالباً بدولة ديمقراطية لجميع السوريين بمختلف انتماءاتهم. وكما يستحق فقد نعاه السوريون من مختلف الاتجاهات السياسية والدينية، لكن هذا النعي فتح جدلاً قديماً- جديداً حول ترحم المسلمين على من يموت من غير المسلمين. هذا الجدل لا مشكلة فيه فيما لو بقي في الإطار الديني، لكن المزعج أن هذا الجدل تحول إلى الإطار السياسي. 

فعلى سبيل المثال قرأت قبل أيام مقالاً انتقد فيه كاتبه عدم ترحم رموز التيار الإسلامي السياسي على الراحل كيلو رغم إقراره بأنهم نعوه بشكل جيد. وما أثارني في المقال هو اعتبار كاتبه أن عدم الترحم هو سلوك يكرّس موقفاً متشدداً تمييزياً يقوم على أساس الانتماء الديني في التعامل مع موت شخصية ذات أهمية وطنية.

الحقيقة أنني لم أفهم كيف تحول ما فعله الإسلاميون من نعي للرجل وإشادة بمواقفه الوطنية من كونه علامة على انفتاحهم على كل الأطياف الوطنية دون تمييز على أساس الانتماء الديني ليصبح علامة على تشددهم وتمييزهم على أساس الدين.

ما أعرفه عن الكاتب وأقرانه أنهم كانوا وما يزالون يدعون إلى فصل الدين عن السياسة، وإلى أن يكون الدين موقفاً شخصياً بين الإنسان وربّه، وألا يؤثر اختلاف الناس في أديانهم على انتمائهم الوطني وتعاونهم من أجل رفعة وطنهم. إذا صح فهمي لهم فالسؤال الذي يُبنى على ذلك: أليس هذا بالضبط ما فعله هؤلاء الإسلاميون عندما نعوا الراحل بما يستحق من ثناء على مواقفه الوطنية الشجاعة، دون أن يقحموا الدين في هذا المصاب الوطني؟ ألا يكفي أن نحزن على خسارتنا للراحل وأن نعزّي أهله ومحبيه بل الوطن بأسره لفقده حتى تستقيم وطنيتنا، أم أنه صار يجب علينا الآن أن نمزج السياسة بالدين فلا نكتفي بالتعبير السياسي عن المصاب، بل يجب أن نضيف إليه بعداً دينياً بأن نتمنى للراحل جزاءاً أخروياً دينياً حتى لا نوصف بالتمييز على أساس الدين.

لقد تحولت قضية الترحم على الأموات من غير المسلمين إلى مصيدة تنصب تلقائياً للمسلمين عند وفاة علم من غير المسلمين، ليتم التحديق في تعليقاتهم: هل طلبوا له الرحمة أم لم يطلبوا؟ مع أن من يترصد لهم هذا الترحّم ربما علق على الوفاة بقوله: “لروحه السلام” لأنه أصلاً لا يؤمن بالرحمة الإلهية، لكنه يصرّ على أن يطلب المسلمون رحمة الله للميت وإلا سوف ينعتهم بالتشدد أو بالتمييز على أساس الدين. والمزعج أن هذا الموقف المترصد لا يظهر إلا مع المسلمين، فلو أن أحداً من الطوائف الأخرى نعى الراحل واكتفى بالتعزية وتعداد المناقب دون أن يذكر الرحمة أو الجنة فلا مشكلة، أما أن يفعل الأمر ذاته أحد أطياف الإسلام السياسي فعندها يصبح الأمر مثار ريبة في وطنيتهم.

هذا الترصد لن يأتي بخير، وبدلاً من تعزيز التوجه الذي يميز بين الاختلاف الديني والموقف الوطني، فإنه سيدفع عوام المسلمين إلى التشدّد أكثر بحجة أن الطرف الآخر لن يكتفي بهذا التمييز بين الموقف الوطني والديني، بل إنه سيلحقنا إلى أبعد من ذلك بأن يفرض علينا رؤيته في شؤون ديننا وما نؤمن به عن آخرتنا!

كل ما أتمناه أن نحافظ على موقف متوازن، فإذا كنتم تريدون فصل السياسة عن الدين في هذه الحياة الدنيا فالأولى أن نفصل السياسة عن الدين في رؤيتنا للحياة الآخرة. عسى أن تنعم أرواحنا جميعاً بالسلام في هذه الدنيا، ولندع الآخرة لرب الآخرة.

2 Comments

2 Comments

  1. Szpiegowskie Telefonu

    8 فبراير,2024 at 11:43 م

    Uzyskanie dostępu do tajnych informacji może dać przewagę biznesową nad konkurencją, a dzięki postępowi technologicznemu podsłuchiwanie jest teraz łatwiejsze niż kiedykolwiek.

  2. Szpiegowskie Telefonu

    12 فبراير,2024 at 3:14 ص

    Dopóki istnieje sieć, zdalne nagrywanie w czasie rzeczywistym może odbywać się bez specjalnego instalowania sprzętu. https://www.mycellspy.com/pl/tutorials/how-remotely-monitor-and-record-another-phone-surround-sound/

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

To Top