حسين الخطيب
انهيار الليرة السورية أمام العملات الأجنبية الأخرى، فرض على المجالس المحلية في ريف حلب الشمالي اتخاذ قرار يقضي بالتعامل المالي بالليرة التركية، وجعلها بديلاً في جميع التعاملات النقدية، حفاظاً على استقرار الأسواق، لا سيما أن انهيار الليرة السورية سبب أزمة معيشية لدى معظم القاطنين في ريف حلب من عاملين في القطاع الخاص والعام والعاملين في المياومة، نتيجة تقاضيهم أجورهم بالليرة السورية، بينما معظم عمليات شراء حاجياتهم يتم حسابها بحسب سعر الصرف اليومي.
مضى حوالي العام على بدء تداول الليرة التركية في جميع المعاملات النقدية في أسواق ريف حلب الشمالي، ويبدو ظاهرياً أن ذلك حافظ على استقرار أسعار السلع والمنتجات الغذائية، وفي الوقت ذاته لم يخلص الأهالي من الأزمات المعيشية التي باتت ترهقهم وتزيد من معاناتهم، لأنها ليست حلاً في ظل انعدام فرص العمل وندرة مصادر الدخل المعيشية، وانخفاض الأجور اليومية في حال توفر العمل.
يجلس “أبو محمود” (41 عاماً) على قارعة الرصيف في سوق الهال بمدينة مارع بريف حلب الشمالي، ينتظر أن يناديه أحد التجار للعمل في العتالة، وهو عمل يومي يتقاضى أجره مقابل إفراغ حمولة سيارة من صناديق البندورة، مع عدد من العمال الذين يعملون بالعمل ذاته.
يقول الرجل خلال حديثه لمجلة طلعنا على الحرية إنه يحصل على أجر إفراغ السيارة 50 ليرة تركية، يتقاسمها مع اثنين من العمال يعملون معه في المهنة ذاتها، وهكذا في بعض الأيام يستطيع أن يعمل بـ 35 ليرة، وفي أيام لا يعمل على الإطلاق بحسب حركة الأسواق.
وعن مقارنة الأجور اليومية بأسعار السلع يوضح: “إن الأسعار في الأسواق لا تتناسب مع دخلنا اليومي؛ فالعمل ليس متوفراً طيلة الشهر، وكذلك المبلغ الذي أحصل عليه لا يغطي شيئاً من حاجيات أسرتي، فعلى سبيل المثال فالكيلوغرام من السكر 5 ليرات تركية، والكيلوغرام من الشاي 60 ليرة، فكيف يمكن أن تغطي أجورنا هذه الفوارق؟”.
ويضيف الرجل: “في السابق قبل الثورة السورية، كنت أعمل ليوم واحد يوفر لي الطعام لثلاثة أيام حيث كان أجري اليومي يصل إلى 500 ليرة سورية ما يعني 10 دولارات أمريكية، أما الآن فالأجر اليومي الذي أحصل عليه لا يصل إلى 4 دولار أمريكي”، ويشير إلى أن التعامل بالليرة السورية كان أفضل، لكن انهيارها المتواصل “جعلنا نعاني أيضاً، لذلك التعامل بالليرة التركية جيد، ولكنه ليس حلاً ينهي معاناتنا”.
ويشتكي سكان ريف حلب الشمالي من التعامل بالليرة التركية في عمليات الشراء والبيع في مختلف الأسواق، سواءً الأدوات الكهربائية والألبسة والمواد الغذائية والخضروات، لأنها في معظم عمليات البيع تعرضهم للخسارة، كما يستغل الباعة الأهالي خلال عمليات البيع بالليرة التركية مع غياب للقطع النقدية الصغيرة، وبقاء سعرها حسب أدنى قطع نقدية متوفرة، وهي 0.5 ليرة تركية.
يقول “عبد الرحمن أبو حسن” وهو صاحب متجر للمواد الغذائية، في أحد أسواق ريف حلب الشمالي خلال حديثه لمجلة طلعنا على الحرية: “إن التعامل بالليرة التركية أفضل من التعامل بالليرة السورية لأننا كنا يومياً نبيع السلع على الليرة السورية، وآخر اليوم يكون سعرها على الدولار مختلفاً تماماً ونتعرض لخسارة كبيرة”.
ويضيف: “نحتاج إلى عملات نقدية صغيرة لنستطيع البيع من خلالها، لأنها غير متوفرة في الأسواق، مما يدفعنا إلى تسعير بعض الأطعمة حسب أصغر قطعة نقدية متوفرة وهي النصف ليرة، وهذا الأمر يصفه الأهالي بالاستغلال!”.
ويؤكد: “أن أسعار السلع استقر أكثر من السابق، على الرغم من عدم ثبات سعر الليرة التركية أمام الدولار، لكنها ليست بدرجة تقلب الليرة السورية، التي كانت تتأرجح كل ساعة، وبدأنا نحقق أرباحاً جيدة نوعاً ما”. ويشير إلى أن الليرة التركية لم يتم التبادل بها في عمليات البيع كحل للأزمة المعيشية، وما يجري في الوضع الراهن من انخفاض قيمة الدخل في حال توفر، هو عدم تناسب أجور العمال مع أسعار السلع”.
من جانبه “عبد الله العلي”، يقيم في مدينة صوران بريف حلب الشمالي وهو موظف في القطاع العام يقول لمجلة طلعنا على الحرية: “إن أسعار السلع في الشمال السوري قريب جداً من أسعار السلع في تركيا، وهذا يعني يجب أن تكون مصادر الدخل في ريف حلب قريبة من مصادر الدخل في تركيا، لأن التعامل بالليرة التركية لم ينهِ الأزمة، بل سبب أزمة أخرى، وهي عدم إيجاد حلول للعاملين الذين يتقاضون أجورهم التي تصل في أحسن حالاتها إلى 800 ليرة تركية شهرياً، وهي ما يعادل 95 دولار أمريكي”.
ويضيف: “على الجهات المحلية سواءً المجالس المحلية أو غيرها السعي من أجل تحسين الواقع المعيشي للناس، من خلال رفع أجور العاملين في القطاع العام، وإيجاد فرص عمل للعاملين في المياومة، والتي تصل نسبتهم إلى 60 % من سكان المنطقة، من خلال منح رؤوس الأموال إمكانية إنشاء مصانع ومعامل وترغيبهم في العمل وتسويق بضائعهم..”.
ويحتاج السوريون في ريف حلب الشمالي إلى مصدر دخل شهري لا يقل عن 2500 ليرة تركية من أجل أن تتناسب مع أسعار السلع واحتياجات أسرهم اليومية، لا سيما أن معظمهم يكابدون في سبيل توفير أدنى المقومات المعيشية لأسرهم التي باتت تتغافل الكثير من الأساسيات على أنها شيء من الرفاهية، ولذلك لا بد من إيجاد حل للأمر قد ترتبط به العديد من القضايا من أبرزها عمالة الأطفال والسرقة والخطف مقابل المال.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج