مجلة طلعنا عالحرية

التدوين بين الأمس واليوم

باسل مطر
مشروع سلامتك

دأب السوريون على توثيق ثورتهم ونقل أخبارها من خلال شبكات التواصل الاجتماعي, وتعرض أرشيفهم خلال أعوام الثورة الأربعة إلى الكثير من النكسات, فقد أغلقت صفحات, وضاعت فيديوهات كثيرة مما خلق الكثير من الإحباط نتيجة هذه الخسائر الكثيرة.

نشأ أيضا على هامش هذا النشاط تيار أخر سعى لاستخدام التدوين كوسيلة للنشر والتوثيق, وظهرت مدونات هامة مثل المندسة السورية, وكبريت وميثاق سوريا وغيرها تركت أثرا هاما ولعبت دورا في صياغة أرشيف هذه المرحلة الهامة من تاريخ الوطن السوري.

لكن التدوين, رغم ازدهاره في المجتمعات الأخرى, لم يلق الاهتمام المتوقع بين السوريين, واحتل فيسبوك, بأخطاره الكثيرة, مكان الصدارة كمنصة للنشر والتوثيق.

والتدوين  (Blogging)هو نشر منشورات قصيرة أو طويلة ترتب تنازليا  وفقاً لزمن نشرها, ومنها ما هو فردي, وهو الأكثر شيوعا, ومنها ما هو جماعي, وهو نمط ظهر لاحقا.

كان المدون الأمريكي جون بارغر هو أول من ابتكر مصطلح Web Blogging في عام 1997, ثم أتى المدون الشهير بيتر ملهورز واختصر المصطلح ليصبح Blog فقط بعد عامين على ظهوره, وكان المصطلح إسما فقط إلى أن بدأ إيفان ويليام باستخدامه على مدونته الخاصة كفعل (To blog).

يعود ازدهار التدوين إلى تسعينيات القرن الماضي حين بدأت الإنترنت بالانتشار, وأصبح النشر عليها لا يتطلب مهارات تقنية عالية ومعرفة وإتقان للغات HTML  وبروتوكول FTP. ففي عام 1997 أنشأ بورس أبليسون منصته التدوينية Open Diary التي تعني المفكرة المفتوحة, والتي ما لبثت أن أصبحت ألوفا من المفكرات المفتوحة, تلاها العديد من المنصات المشابهة.

أصبح للتدوين أثرا سياسيا واضحا منذ بداية ازدهاره وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية, موطن التدوين الأول. ففي عام 2002 صدر تعليق مثير للجدل عن زعيم الأغلبية الديمقراطية في الكونغرس ترينت لوت مفاده أن الولايات المتحدة ستكون أفضل حالاً لو تم انتخاب ستروم ثندر, السيناتور السابق رئيساً, وهو الذي عرف بدفاعه عن سياسات التمييز العنصري. التقط المدونون هذا التصريح باعتباره ميلاً لسياسات الفصل العنصري والذي تجاهلته وسائل الإعلام, وأثاروا حوله ضجيجا دفع بالسيناتور المذكور لاحقا للاستقالة من منصبه.

بحلول عام 2004, بدأ التدوين يأخذ منحىً جديدا, فقد أصبح مرشحو الرئاسة والبرلمانات, ومؤسسات الأخبار, والاختصاصيون ينشؤون مدوناتهم الخاصة, بهدف التأثير على الرأي العام, أو سبره وفهمه.

أصبحت المدونات لاحقا وسيلة تستخدمها الصحف ووكالات الأنباء لتجنب الرقابة, ولتمرير رسائل هامة لا تستطيع تمريرها من خلال الصحافة الاحترافية. وأصبحت الحكومات تمتلك مدونات أيضا, وأصبح الصحفيون المحترفون يمتلكون مدونات لهم, لكن هذا لم يغير من كون التدوين هو أدارة للتعبير الفردي بشكل أساسي, وأن مدونين كثر يكتفون بالتدوين تركوا ويتركون أثرا كبيرا في حياتنا كل يوم.

تعتبر المدونات فضاءات تفاعلية هامة بطبيعتها حيث يتاح للقاريء التعليق على مضمونها, أو حتى إرسال رسائل لصاحبها, وهو ما جعلها تحظى بشعبية كبيرة قبل ظهور شبكات التواصل الاجتماعي وبعدها.

تختلف المدونات عن شبكات التواصل الاجتماعي بأن القوانين التي تحكم عملها أقل حدة, وأن مضمونها هو في الحقيقة ملك لصاحبها. تستطيع الشركات التي تقدم هذه الخدمات إزالة المنشورات التي تخالف أحكام الاستخدام, لكن التجربة تظهر بأن هذه الحالات أقل بكثير مما نشاهده على شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك أو مواقع مشاركة الفيديو مثل يوتيوب. فمثلا تمنع وورد برس وهي أحد أهم مقدمي خدمات التدوين المجانية المنشورات الإباحية أو التي تحرض على العنف أو تنتهك حقوق الملكية, وهذا كل ما تورده بهذا الخصوص, فيما تتشعب هذه الأحكام كثيرا بالنسبة لفيسبوك.

لا يستطع أحد أن ينكر أو يتجاهل أثر التدوين على السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا منذ نهاية التسعينات حتى اليوم, وأن التدوين قد لعب دورا في صياغة مجريات الأحداث في العقدين الماضيين, وهو أمر على السوريين الالتفات إليه دون ريب.

Exit mobile version