في 30 أيلول قامت قوات الغزو الروسية بأولى عملياتها، في الأراضي السورية، وطبعا هذا التدخل سيشكل ملامح مرحلة جديدة، فمرحلة ما قبل التدخل ليست كمرحلة ما بعدها وذلك لأسباب التالية:
1 – روسيا دولة كبرى ويجب ألا نستهين بالمقدرات التي تمتلكها وخاصة في المجال العسكري بالإضافة إلى دورها الدبلوماسي العالمي.
2 – التزمت روسيا منذ بداية الثورة بموقف مناهض للثورة وداعم للنظام ليس في الأقوال كما فعلت ما تسمّى “دول اصدقاء سوريا” بل بالأفعال الجادة على الأرض.
3 – غياب الرؤية الواضحة لدى الدول التي تدعم قوى المعارضة، وخاصة لجهة العمل على إيجاد بديل حقيقي قابل للحياة يكون بديلاً لنظام الأسد.
وبذلك يمكن القول إن روسيا تدخلت بهدف خلق واقع جديد لا تظهر بوضوح ملامحه لحد الآن، وقد يتفق الجميع بأن روسيا لها مصالح متعددة في سوريا منها أمن الطاقة وخطوط نقل الطاقة باتجاه اوروبا، بالإضافة الى الهيبة والمكانة الدولية التي تسعى الى استعادتها على المستوى الدولي، بالإضافة إلى طموحها لإبقاء القاعدة العسكرية في طرطوس وتوسيعها وحفظ موطئ قدم لها في المنطقة، بالإضافة إلى تخوف روسيا عموما من الثورات العربية والتخوف من تمدد آثارها باتجاهات تعتبرها روسيا تهدد مجالها الحيوي، وخوفها من عودة الجهاديين من مناطق روسية الذين دخلوا سورية الى اراضيها وأن يشكلوا تهديدا للأمن القومي الروسي، وقد عبر بوتين بوضوح عن تخوفه من هذا الأمر، وطبعا كل هذه الأسباب يمكن ان تفسر لماذا اتخذت روسيا قرارها بالتدخل المباشر وطبعا سيكون الجواب: التدخل هو بهدف الحفاظ على المصالح الروسية، ولكن السؤال الأهم ما هي الأدوات والوسائل التي ترى روسيا بأنها كفيلة لتحقيق مصالحها؟ وطبعا هذا يحيلنا إلى السؤال التالي ماهي أهداف التدخل العسكري العملانية على الأرض؟
هذا السؤال ستظهر تفاصيل إجابته خلال الفترة القادمة من خلال تطورات أرض الواقع ولعل أهم مؤشرات ذلك هي ما يلي:
1 – حجم القوات التي ستقوم روسيا بإرسالها إلى سورية، علما أن القوات التي تم إرسالها لحد الآن هي فرقة جوّية تتألف من ٢٨ طائرة مقاتلة/هجومية على الأقلّ، بالإضافة إلى طوّافات هجوميّة وأخرى للنقل، وطائرات استطلاع، وطائرة تجسس، وقوّات برية تضمّ عناصر من الفرقة ٨١٠ من مشاة البحرية، وعناصر محتملة من فرقة مشاة البحرية الـ ٣٦٣، ودبّابات من نوع “T-90”، وناقلات جنود مدرّعة من نوع “BTR-80”، واثنين من بطاريات مدفعية الميدان، وعدة آلاف من الجنود، وصواريخ أرض- جوّ من نوع “SA-22 Greyhound”، وهيكل قيادة وسيطرة مفترض، وطبعا حجم هذه القوات لحد الآن يؤشر إلى أن الهدف هو فقط تحسين وضع النظام ومساندته وليس قلب الطاولة بالكامل ضد القوات المعارضة للنظام، ولكن إذا ما قامت روسيا بزيادة كبيرة وملحوظة في عديد القوات وعدادها فلعل أهداف التدخل قد تتغير.
2 – بنك الأهداف التي سيستهدفها الروس، فهل ستشمل الأهداف فقط قوات تنظيم الدولة وجبهة النصرة اللتان تعتبران إرهابيّتين وفق التصنيف الغربي، أم إن الاستهداف الروسي سيتوسع ليشمل قوات أخرى محسوبة على القوات المعارضة للنظام .
3 – هل الروس يهدفون من تدخلهم إلى تقديم الدعم للنظام لإبقائه والحفاظ عليه باعتباره الجهة التي ترى روسيا أنها قادرة على حفظ مصالحها؟ أم أن التدخل الروسي يهدف لخلق معادلة سياسية جديدة ترى روسيا أنها المعادلة القادرة على فرض حل سياسي يتناسب مع مصالحها.
هناك العديد من التساؤلات التي يجب على جانب الثورة العمل سريعا للبحث عن إجابات لها لأن الإجابة عن هذه التساؤلات ستحدد طبيعة العمل السياسي الواجب على قوى الثورة عمله وبأقصى سرعة، وفي حال تبين أن التدخل الروسي ليس بهدف تعزيز النظام بشكل مؤقت، ولكن هدفه الحقيقي إنهاء الثورة وتصفية القوى العسكرية المعارضة للنظام، ففي مثل هذه الحال أعتقد أنه اصبح من الضروري أن تدرك جميع الفصائل في حينها ان الفصائلية لن تنفعها وسينطبق عليها المقولة الشهيرة “أُكلت يوم أُكل الثور الابيض” عاجلاً أم آجلاً، ولعل طرح مبادرة تشكيل جيش وطني بصبغة تقبل جميع أطياف الشعب السوري هو الحل الوحيد الذي سيكون متاحاً أمام هذه الفصائل، جيش يكون هدفه قيادة عملية تحرير وطني حقيقي.
كاتب وصحفي من داخل الغوطة الشرقية – ريف دمشق