افتتاحية العدد بقلم أسأمة نصّار
مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات في إيران، بدأ بعض السوريين النظر للإيرانيين بعين غير التي ترى حرساً ثورياً، وميليشيات طائفية شريكة في الإجرام، ولطميات تتمدمد في المنطقة. العين الجديدة ترى بالإيرانيين شعباً مقموعاً يكافح لنيل كرامته، وللانعتاق من سلطة العسكريين والمعمّمين والأبويّين.. هم شعب مظلوم.. مثلنا!
عادة لا تحتاج “معركة الحجاب” إلى محفّز بضخامة مظاهرات خلع الحجاب وقصّ الشعر التي تقوم بها الإيرانيات في شوارع المدن الإيرانية. هي جبهة نَشِطَة على الدوام. ومن نافل القول اليوم إن الحجاب (غطاء شعر النساء) في الاحتجاجات الإيرانية يحضر هنا كرمز. رمز لتسلّط الحاكم وفرض رؤية أحادية على الشعب. وأن تمزيقه أو حرقه هو تحطيم للصنم المتمثل فيه، تماماً مثل تمزيق صور خامنئي وأصنامه.
لا يقبل متمسكون بالحجاب هذا التعامل الرمزي معه إلا في السياق المعاكس؛ أقصد السياقَ الذي يُمنع فيه ارتداء غطاء الرأس، كما جاءت تشريعات جديدة في بعض البلاد الأوربية. هنا يصير الحجاب معقلاً للإسلام ينبغي الذود من حوله والعضّ عليه بالنواجذ!
ويتذكر السوريون بمرارة حواجز تفتيش ودوريات لقوات (سرايا الدفاع) تخلع الحجاب بالإجبار عن رؤوس بناتهم ونسائهم في شوارع دمشق وحلب وحماة..
ولو تكلمنا عن إعادة تشكيل المفاهيم الدينية بطريقة مختلفة، تتجاوز الطقوس والأشكال والحركات، وتنفذ إلى عمق المقاصد المرجوة من الدين والرسل والرسالات، لتضع الإنسان المكرّم بنفخة من روح الله في مركز هذه المقاصد، ستهطل علينا الاتهامات بالهرطقة وتخريب الدين أو بابتداع دين جديد. لكن، الناظر إلى مسيرة البشر والأقوام على مرّ التاريخ يرى أن الأنبياء والمصلحين جاؤوا ليترك الناس عبادة العباد، ولألاّ يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله. وللمفارقة أيضاً يرى أن “الهرطقة” والردّة عن الدين هي اتهامات لازمت كل الأنبياء والمصلحين، تكيلها لهم الأقوام بغطاء من حراس المعابد وسدنة الأوثان وحاشية الطغاة..
عندما تصير الممارسات (الطقوس أو حتى الشعائر) أدوات تسلّط وبطش ورموزاً للطاعة والخنوع.. علينا أن نتفهم من ينادي بشقّ عصا الطاعة كفعل ثوري نبيل، يستوي فيه نزع الحجاب وحرقه أمام متشددي شرطة الأخلاق في أصفهان وشيراز وتبريز، والإصرار على ارتدائه في دمشق وحلب وحماة أمام المظلّيين والمظلّيات أتباع رفعت أسد، أو في أماكن تمنعه حالياً..
للأسف أننا نجد أصحاب الرؤية الأحادية في كل مكان؛ فبينما تخوض الإيرانيات معركة تحررهن وتحرر بلدهنّ من خلال تمزيق صور المرشد الذي “علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم” تواجه نساء سوريات معارك مشابهة من ظلاميين يظنون أنهم يقفون على الضفة المقابلة للمرشد الأعلى! فيشنّون حرباً شعواء على نساء أردن ممارسة دورهنّ في واقعنا الصعب، ويبدأ كيل التهم لهنّ على أنهنّ مخربات يروجن للفساد ولقائمة من المصطلحات التي يجمعها حاطب ليل، من هنا وهناك، ويضعها في حزمة واحدة ينبغي خنقها: “النسوية، الجندرة، تحرر المرأة، سيداو، نوال السعداوي..” ولا ننسى بقية المحاجّة: “إنا نخاف أن يبدلوا دينكم أو أن يظهروا في الأرض الفساد”!
ناشط وصحافي، رئيس تحرير مجلة طلعنا عالحرية، ومدير مكتبها في دوما / الغوطة الشرقية سابقاً، إجازة في الآداب من جامعة دمشق قسم اللغة الإنكليزية، مدير مكتب الحراك السلمي السوري في ريف دمشق.