تستمر المعارك على جبهات الغوطة الشرقية جميعا بلا هوادة. رغم التقدم الذي حققه الجيش الحر على بعض المحاور مؤخرا، لا يخفي الأهالي ولا المقاتلون قلقهم من شراسة محاولات النظام للتقدم ومحاولات الاقتحام المستمرة.
يقول الجميع اليوم إن المعركة القادمة بعد مدينة “القصير” هي في الغوطة الشرقية التي ترزح تحت حصار غير مسبوق. كيف لا والمساحات الشاسعة التي تحررت من قبضة النظام لا يفصل بينها وبين العاصمة دمشق إلا بضعة كيلومترات. تلك من الأمور التي لا يتمكن المرء من الابتعاد عن التفكير بها في الطريق عبر البلدات والقرى المحررة إلى مقر عمليات “معركة الفرقان”.
أعلن عن بدء معركة الفرقان بتاريخ 13-5-2013 بقيادة عسكرية موحدة، لصد قوات النظام واستكمال تحرير الغوطة، بمشاركة أهم الألوية والكتائب المقاتلة في المنطقة، كلواء شهداء دوما، لواء البراء ولواء الإسلام.
في مقر عمليات المعركة بادر قائد مجلس مجاهدي دوما، نائب قائد المجلس العسكري الثوري في الغوطة، وقائد عمليات معركة الفرقان، “الحجي” أبو صبحي طه، إلى كسر الجليد بين حقوقيين يحترفون “التنظير” حول حقوق الانسان والعدالة، وبين المقاتلين الذين لا يقيمون وزنا عادة “لتنظيرنا” في الشؤون الحقوقية والقانونية.
“نحن نحارب عدوين هنا، النظام من جهة والبعوض من جهة أخرى. بين الغروب وصباح اليوم التالي يصبح الوضع لا يطاق”.
ربما كانت تلك معاناتنا الوحيدة المشتركة مع المقاتلين على الجبهة! البعوض هنا.. وحشرات أخرى لا تحصى ولا تعد! بمثل شراسة النظام. تراكم القمامة وعدم توفر المبيدات الحشرية منذ مدة طويلة، يجعل من الليل كابوسا حقيقيا.
ليس من السهل الاسترسال بحديث مع “الحجي” أبو صبحي. فهو جيد الإصغاء، يعبر بثقة وبكلمات قليلة عن فكرته، ويتولى المحيطون به الإسهاب في شرحها!
بدأنا الحديث عن بعض “همومنا” الحقوقية المتعلقة بالانتهاكات وتوثيق المقرات الأمنية المحررة وأوضاع السجناء والأسرى وسواها. وفوجئنا مرتين.
الأولى، صدمت “أحلامنا الوردية” بصراحتها!
فحين سألنا عن المقار الأمنية المحررة والحفاظ على ما فيها من وثائق ومحتويات عينية حول ممارسات التعذيب وسواه، أجاب أبو صبحي بأن ذلك ضروري لا شك، لكنه غير ممكن عمليا! ففي المعركة يسود الغضب ولا يمكن دائما ضبط المقاتلين وهم آباء وأخوة وأبناء شهداء، أو منعهم من إحراق تلك المقار وتدميرها باعتبارها رمزا للتعذيب والقتل والظلم.
لكن ربما لو علم المقاتلون، حاججنا، أن الحفاظ على محتويات تلك المقرات من شأنه أن يكشف مصير مفقودين أو أسماء متورطين بعمليات القتل والتنكيل وسوى ذلك، لما رغبوا بإضرام النيران بها!
أما الثانية فقد فاجأت توقعاتنا بجرأتها.
فحين سألنا، ما الذي نستطيع تقديمه لكم كحقوقيين، أجاب: “من قام بإعلاء الصوت منذ ما قبل الثورة ضد انتهاكات النظام عليه أن يقوم الآن بإعلاء الصوت حول الخروقات التي ترتكب لدينا وفي سجوننا”.
قال أيضا ما مفاده: “لن نقبل أن نلبس نفس الثوب. لن نبني دولتنا على جماجم، لن نبنيها إلا على أسس صحيحة. الكل سيخضع للمساءلة، والانتقام الحقيقي هو تحقيق العدالة”.
أية رسالة أجمل وأعمق من تلك يمكن نقلها من قائد ثوري إلى الثوار وجميع السوريين؟
كان لزاما أن ننهي جلستنا بالأسئلة التي يتحرق المدنيون عادة لسماع أجوبتها، خاصة مع وجود عدد من قادة الكتائب الذين ترك لهم “الحجي” الحديث حول كيف هي حال الجبهة، إلى أين نمضي عسكريا، وكيف تتقدم معركة الفرقان.
النقيب أبو علي قائد قوات المغاوير، بزيه المحلي التقليدي الجميل وكأنه خرج للتو من مسلسل “ايام شامية”، قال إن المعارك شرسة جدا، وهناك ضغط كبير، ولا ينقصنا إلا العتاد. محيط الريف الشرقي لدمشق مشتعل بالكامل، من ساحة العباسيين إلى عدرا وصولا لمطار دمشق الدولي والمتحلق الجنوبي. الحملة كبيرة وعلى امتداد مساحات واسعة. والقوة المهاجمة في معظمها من المرتزقة الأجانب المدربين تدريبا عاليا.
وكحال الجميع يشتكي من ضعف التغطية الإعلامية لمعركة الغوطة، وأن معركة القصير أخذت الاهتمام كله رغم مصيرية ما يحدث في الغوطة.
أبو عمر القائد الميداني ركز على الحصار الغذائي على الغوطة الشرقية، حيث يمنع إدخال المواد الغذائية والطحين بشكل كامل فضلا عن الاستيلاء على المطاحن وحرق المحاصيل.
وماذا عن جنيف 2 نسأل أبو صبحي، فيقول إنه لا تعويل عليها، لكن المعارضة إن ذهبت فلن تذهب إلا بخلافاتها الشخصية.
رغم القلق الذي يمكن تلمسه في العيون، فالجميع يتكلم عن لحظة الحرية بيقين لن يعرفه إلا سوري ثائر. لحظة الحرية التي تبنى بالنصر على الجبهات ولكن أيضا بأن لا ننسى لحظة أننا “لن نبني دولتنا على جماجم، ولن نلبس الثوب نفسه وانتقامنا سيكون عبر تحقيق العدالة”.
محامية وناشطة سورية في مجال حقوق الإنسان. شاركت في الثورة السورية عام 2011 وكانت من مؤسسي لجان التنسيق المحلية التي نشطت في تنظيم الحراك السلمي في الثورة السورية، حاصلة على عدة جوائز عالمية في مجالات حقوق الإنسان وحرية الفكر.
مارست عملها الانساني في ريف دمشق دوما وفي نهاية عام 2013 اختطفت مع ثلاثة آخرين من زملاءها (سميرة الخليل، ناظم حمادي، ووائل حمادي) من قبل الجماعات الإسلامية التي سيطرت على مدينة دوما.
رزان من مؤسسي مجلة طلعنا عالحرية وظلت حتى اختطافها من محرري المجلة الأساسيين.