Site icon مجلة طلعنا عالحرية

الإيكونيميست: “دمشق المدينة الأسوأ للعيش في العالم” هل هي الشام حقاً؟!

يارا شامية 

دمشق

حين تتجول في شوارع دمشق ترى وجوه الأهالي قاسية قلقة، وعابسة لا تبتسم لشيء. فمدينة الياسمين غدت مدينة أشباح يملؤها الذعر والخوف، ويسود في أجوائها صوت القذائف ودوي الطائرات الحربية، تكبلها الحواجز الأمنية، وتخنقها زحمة مرورية واكتظاظ سكاني هائل.

حيث تقدر الحواجز بنحو 300 حاجز موزعة بمختلف أنحاء العاصمة، فضلاً عن قيام النظام بإغلاق عدة طرقات رئيسية توجد فيها أفرع أمنية تابعة لها، ما خلّف أزمات نقل حقيقية.

في السياق ذاته تقول “ريما” طالبة جامعية تقطن حي الميدان: “احتاج ساعتين كي أصل لكليتي في المزة” حيث تبدأ رحلتها بباص “هرشو” الذي لا يلبث أن يقف كي يتهافت الركاب عليه، وقلة منهم يحظى بكرسي للجلوس، ثم يعرقل طريقه حاجز جامع الحسن، الذي يسبب فوضى كبيرة نتيجة تمركزه بعقدة مرورية حسّاسة من جهة، ولأنه كائن تحت جسر الميدان من جهة أخرى.

بعد ذلك عليك أن تقطع حاجز الشويكة، ما يستغرق قرابة النصف ساعة، وصولاً لشارع خالد بن الوليد الشديد الازدحام، إلى أن يصل الباص لجسر فيكتوريا، فيصبح الامر أكثر سهولة.

من جانب آخر، يعاني سكان دمشق من أزمات معيشية تتعلق بالهجرة وغلاء الأسعار؛ فمع تدهور الليرة السورية تراجع متوسط رواتب الموظفين إلى نحو 70$، في حين تحتاج الأسرة السورية لمئتي دولار بالحد الأدنى لتعيش “بالكفاف” ناهيك عن تكاليف السكن؛ فإن كانت الأسرة مهجرة تحتاج بين 100 إلى 200 دولار شهرياً أجرة شقة فقط.

السيد أبو محمد نزح مع أطفاله الثلاثة من حي القابون، يقول: “طلعنا من بيتنا بالتياب اللي علينا” ويضيف: “استأجرت شقة بمساكن برزة بـ 60 ألف” علماً أن دخله لا يتجاوز الـ 90 ألف، يقول أبو محمد: “هالبلد صفيت للحرامية وبس”!

وعند سؤاله عن ظروف معيشته يجيب: “ساترها الله.. شو الحل؟ أرخص من هيك بيت ما في.. والله اللحمة من سنة ما فاتت بيتي.. والديون عم تشر مني”.

أما أبو هاني فنزح من دوما مع خمسة أولاد وأم مصابة بشظايا قذيفة وقعت قرب داره، يقول: “سكنت بغرفة في بساتين الرازي.. الفيران ما بتسكنها”! تلك الغرفة لم تسلم من “إصلاحات الأسد”، يضيف أبو هاني: “قالوا في تنظيم.. طلعونا بدون أي تعويض.. وصفيت أنا وعيلتي بالشارع”.. “ما في أسرع منهم بالهدّ بس ليعمروا بدهم مليون سنة”.

تنظيم! وأي تنظيم ذاك الذي يلقي بمئات النازحين للطرقات؟ وهل حقاً الوقت مناسب للتنظيم أم هو إعادة توزيع ديموغرافي للسكان بما يتناسب مع أهواء النظام السوري؟ لما لم يكن التنظيم في المزة 86 مثلاً؟ الجواب بمنتهى البساطة برسم العصبة الطائفية، والأكثر سخفاً جواب محافظ دمشق بشر الصبان، في حديثه لإذاعة دمشق عن هذه المسألة، قال إن “أغلب أهالي بساتين الرازي لديهم أقرباء بالمزة شيخ سعد، بإمكانهم أن يقطنوا عندهم.

حال أبو محمد وأبو هاني هي حال 12 مليون مهجر سوري نزحوا من المناطق الساخنة لأخرى أكثر هدوءاً، ليلقوا مصيرهم على أيدي تجار لا يهمهم سوى تكديس خزائنهم المترعة بمزيد من الأموال، في ظل إهمال كامل من النظام السوري لهذه الكارثة الإنسانية. علماً أن بمقدوره حدها بمرسوم يضبط أجار العقارات.

يحاول السكان التأقلم مع هذه الظروف القاسية، وكثير منهم يعتمد على معونات من الجمعيات الخيرية إضافة للمساعدات الدولية التي تصلهم مسروقة، حتى في الآونة الاخيرة عمدت الحكومة السورية لتبديل ما تبقى لهم من منتجات دولية بأخرى وطنية من النخب العاشر بحجة دعم المنتج الوطني!

ليس الغلاء هو الهمّ الوحيد لأهالي دمشق؛ حيث تستمر معاناتهم من نقص الإمدادات في الطاقة الكهربائية، فقد تصل ساعات التقنين لـ 16 ساعة في اليوم، أي يقتصر وقت الكهرباء على 8 ساعات، اثنتين منهم بعد منتصف الليل.

ذلك بسبب فقد النظام السيطرة على معظم آبار النفط والغاز الطبيعي، ما أثر سلباً على إنتاج البلاد من الطاقة الكهربائية التي تراجعت بشكل كبير، مخلفة وراءها مشكلات كبيرة، لاسيما في القطاع الصناعي، فاضطرت المصانع أن تعتمد على مولدات تعمل بالوقود.. كل هذا ساهم بارتفاع أسعار المنتجات بمختلف أنواعها.

ما يزيد الحال سوءاً هو تقنين المياه لساعات طويلة وأحيانا لأيام، نتيجة إيقاف المعارضة ضخ مياه نبع الفيجة كورقة ضغط على النظام السوري لتلبية مطالبها.

أما على أطراف العاصمة فقد يستمر قطع المياه طيلة فصل الصيف، كما هو الحال في بلدتي صحنايا وجديدة عرطوز، فيعتمد الأهالي هناك على صهاريج مياه تعبأ من الأبار وتُباع لهم بأثمان باهظة.

في ظل هذه الظروف القاسية يعيش سكان دمشق التي صنفت سنة 2015 أسوأ مدينة في العالم، وفقاً لترتيب صادر عن مجموعة الإيكونوميست، بعد أن كانت من أكثر المدن أماناً.

Exit mobile version