Site icon مجلة طلعنا عالحرية

الإعلام الجديد ومطب الأيديولوجيا

طلعنا عالحرية -هيئة التحرير

ربما من الصعب الحديث عن اعلام مستقل او موضوعي في الحروب او النزاعات، فغالباً ما يكون الاعلام الابن البار لأيديولوجيا خلاصية يقدمها كل طرف من الاطراف المتصارعة ويرى الاحداث وشكل الصراع والكثير من الوقائع بعين هذه الايديولوجيا، قارئاً للأحداث ومحولا إياها بما يتناسب مع ايديولوجيته.

ولا تشذ حالتنا السورية عن هذه القاعدة، فإعلام النظام مثلاً لا يقرأ الحدث إلا بمنظار نظرية المؤامرة الكونية، التي تعتمد على وجود محورين، أو مشروعين، أحدهما المشروع “المقاوم” و “الممانع”، والآخر المشروع الامبريالي الغربي. وهو ينكر بهذا كامل المنظومة الحقوقية ويتجاهلها عبر إعلامه المحلي والإقليمي.

نفس الحدث تتم قراءته على ضوء ايديولوجيا دينية/ طائفية، ترى الصراع بين مشروع غايته بناء الدولة الاسلامية ومشروع آخر شيعي نصيري، هنا أيضاً يتم إنكار الحقيقة مع الغرق في أوهام الماضي، ومثل أيديولوجيا النظام تُهمَل المنظومة الحقوقية بكاملها عند الكثير من الفصائل الإسلامية والجهادية والإعلام الداعم لها.

كما يُقرأ ذات الحدث على ضوء أيديولوجيا ثالثة ترى الصراع منذ يومه الأول وحتى الآن صراعاً بين مشروعين: مشروع ثوري ديمقراطي وآخر قمعي واستبدادي، هذا النموذج هو السائد عند الكثير من مؤسسات إعلام الثورة، وهو يسقط في فخ الرغبوية التي تتعامى عن الوقائع، ويتورط في الكذب والتغطية أو التبرير والتزيين من أجل الدفاع عن “الثوار” مهما كانت أخطاؤهم أو انتهاكاتهم ومهما كانت ظلامية توجهاتهم. وبهذا فإنه يعود ليسقط في مطب الايديولوجيات السابقة في إنكار المنظومة الحقوقية التي يفترض أن الثورة قامت من أجلها.

وفي سياق هذا الحديث عن الثورة ومواكبتها إعلامياً يمكن توسيع الدائرة للحديث عن أيديولوجيا رابعة يتبناها الإعلام الغربي والعالمي، وهي التي ترتكز إلى توصيف ما يجري في سوريا على أنه “نزاع” داخلي، إنها أيديولوجيا التنصل من المسؤولية والتبرؤ من واجب التدخل لحماية شعب يسحق.

ويبقى الضائع الابرز بين كل هذه الإيديولوجيات التي تفرخ اعلاما متحايلا، هو آلام الناس..   وأحلامهم أيضاً.

إذن، فإن الاعلام غالباً يتبع منظومة أيديولوجية، وكل هذه المنظومات هي اما تعبير عن مصلحة كالنظام، او اوهام كالفصائل الإسلامية واليسار، او رغبوية كأيديولوجيا الثورة، أو تنصلية كأيديوجيا الإعلام الغربي.

لكن، ورغم الصورة السوداوية العامة للمواكبة الإعلامية للحدث السوري، إلا أنها لا تخلو من التجارب الهامة والجسورة، وإن كانت محدودة الإنتشار حتى الآن، في الإعلام السوري الجديد، والتي تحاول أن تمارس دوراً حقيقياً ضمن واقعنا الصعب، وهو الدور الذي يعي عمى الأيديولوجيا، ويتحمل جرأة احترام الحقيقة، وينطلق من منظومة حقوقية كزاوية نظر رئيسية، حيث لا مساومة في حق الناس وادانة الجريمة، ولا اصطفاف وراء اي فصيل، بل جرأة في النقد وتحميل الجميع مسؤولياتهم على قاعدة احترام الحقيقة.. لا خيار آخر إلا الحقيقة، بغض النظر عن ذهنية السكان وتفكيرهم وعقائدهم أو اصطفافاتهم.

إن الضرورة الملحة لوجود إعلام مستقل وموضوعي، مرتكز على ذهنية متحررة من المصلحة والرغبة والاوهام، تستوجب بالضرورة احترام التنوع والتعدد واحترام حرية الرأي والتعبير. ولا خيار آخر أمام وسائل الإعلام السورية إلا الاضطلاع بمهماتها والتي تبدو يوماً بعد يوم أكثر تعقيداً وصعوبة في ساحة أصبحت ملعباً للقوى الدولية المختلفة وقوى الإرهاب والتطرف من كل مكان.

الوضع السوري اليوم شديد التعقيد ولا يبدو أن هناك سوابق تاريخية تشبهه، وهذا ما يلقي مزيداً من المسؤولية على كل من يتعاطى بالإعلام وبالشأن العام لنقترب من أية حلول ممكنة لهذا الوضع والتي لا بد ستقتضي تنازلات وتوافقات بين كافة الأطراف والقوى الفاعلة على الساحة السورية.

نحن نؤمن بان دورنا كصحف ثورية يجب أن يكون توعوياً بالدرجة الأولى، وبالطبع إذا كان بالإمكان المساهمة في تهدئة الأمور فلم لا !. لم تنتج الحلول العسكرية إلا الخراب والانتقام. علينا اليوم السعي إلى إعادة التطبيع مع الحياة.. التأكيد على العيش والاستمرار والإحساس العادي بالتفاصيل الصغيرة، هذا جزء من مهمتنا أيضاً..  وهو يساهم في تأكيد إنسانيتنا وسط هذا الخراب المعمم.

علينا إعادة توجهنا الإنساني العام إلى سكته الصحيحة، إلى انتاج الحياة والحب والعلاقات الإنسانية والحلم، وإلى الفرح الذي يتحدى الموت ويورق الحياة، والذي يحتاج إلى إعادة تأكيده كل يوم… وبين غارة وأخرى.

Exit mobile version