المحامي أنور البني
يتناقل الإعلام يوميا أخبار جرائم إرهابية ترتكب في كل أنحاء العالم، وتزداد وتيرتها يومياً، وتتسع المساحات الجغرافية التي ترتكب فيها هذه الجرائم، كما تزداد يوماً بعد يوم وحشية النظام السوري في جرائمه ويتسع مداها.
فهل يحق لنا التساؤل لماذا يمكن أن تقوم داعش وال ب ي د وغيرهما بما تقوم به من جرائم في سوريا والعالم؟ ولماذا يتجرأ النظام السوري على القيام بكل هذا القتل والتدمير والإحراق واستخدام السلاح الكيمياوي بكل جرأة وعلنية؟ ولماذا تزداد هذه الجرائم وحشية وفظاعة؟
الأصل في ردع الجريمة والمجرمين هو العدالة، فكيف يمكن أن نتوقع أن لا يستفحل المجرم في جريمته وأن لا يتوالد مجرمون ومجرمون طالما أنهم آمنين من العدالة؟
كيف يمكن أن نتوقع أن لا يتحول أي واحد منا إلى مجرم تحت ضغط الظلم والقهر طالما هناك مساحة كبيرة للإفلات من العقاب، وبوجود أمثلة حيّة أمامه ارتكبت جرائم ضدّ الإنسانية وجرائم حرب بالوثائق واعتراف العالم، وما زالت ترتع وتسرح ويستفحل إجرامها دون أن تهتز العدالة؟
ونحن نعيش حالة استفحال الجرائم وانتشارها في كل العالم، وهي تجري أمام أعين العالم ورقابته الأمنية والإعلامية، يمكننا أن نتساءل من أين جاء كل هذا العنف والإجرام والإرهاب؟ وما الذي يدفع مجرماً أو إرهابياً لارتكاب جرائمه؟
في الجرائم الكبرى يتلطى المجرمون عادة بشعارات أيديولوجية؛ إما سياسية أو قومية أو دينية.. ويحمون أنفسهم من العدالة إما بالادعاء بنبالة القضية والغاية تبرر الوسيلة، أو بقوانين داخلية مفصّلة على قياسهم تحميهم من المساءلة مهما ارتكبوا من جرائم لحماية سلطتهم وامتيازاتهم، أو بمرجعية إلهية تسمو فوق البشر وقوانينهم يستندون إليها بمسألة الثواب والعقاب دون أن يأبهوا بقوانين البشرية، يرتكبون الجرائم البشعة تحت يافطات الأهداف النبيلة.. وبكل الحالات ما يقومون به هو جرائم بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولا يقلل من هذا التوصيف لا مرجعية سياسية ولا أيديولوجية ولا دينية إلهية ولا أهداف “نبيلة”.
ما شجّع الدولة الإسلامية وغيرها من التنظيمات الإرهابية على ارتكاب الجرائم هو إهمال تام لجرائم أفظع ارتكبت وترتكب كل يوم وكل لحظة بحق شعوب كاملة دون أن تهتز رموش العدالة ولو مرة.
ما شجّع ويشجع على الجرائم هو إفلات كثير من عتاة مجرمي الإنسانية والحروب من العقاب وبقائهم أحراراً، بل وياللسخرية يحاولون تعليم العالم دروساً بمحاربة الجريمة.
ونكابد آلام ونتائج إفلات مرتكبي تلك الجرائم من العقاب إلى الآن، ونرى مجرمي حرب صدرت قرارات اتهام بحقهم كالبشير الذي مازال حراً آمناً من العقاب، وفلادمير بوتين وهو ينجو من الجرائم التي ارتكبها في الشيشان والتي يرتكبها في سوريا، وملالي طهران يفلتون من العقاب على جرائمهم ضدّ الشعب الإيراني والشعب العراقي والشعب السوري. وعلي عبد الله صالح ينال عفواً عن جرائمه ضد الشعب اليمني، وغيرهم كثيرون.
يبدو أننا سنشهد المزيد من الجرائم والمجرمين ونشهد ازدياد البشاعة والفظاعة بهذه الجرائم إلى حدود قد لا نتخيلها.
لو كان هناك بصيص ضوء أن المجرم سيلقى عقاباً على جرائمه ربما لتوقف عن ارتكابها وهو حتماً لن يرتكبها بكل هذه الوحشية والفظاعة والتمادي المهين.
الجرائم التي نشهدها في العالم هي سلسلة من جرائم كبرى لن تنتهي ما لم تصبح هناك إمكانية حقيقية للعقاب ووضع حد نهائي لسياسة الإفلات من العقاب.
لن نتفاجأ أبداً بجرائم كبرى أقسى وأشد فظاعة طالما أن العالم يقف متفرجاً عليها؛ يعدّ الضحايا والدمار والانتهاكات دون أدنى مسؤولية تجاه إحقاق العدالة، ويتعامل مع مسألة العدالة ببرغماتية سياسية تغيبها مقابل مصالح اقتصادية وسياسية وأمنية.
وحين يقرر العالم أخذ قضية العدالة بجدية للحفاظ على مصالحه أو أمنه فإنه يطبّقها بانتقائية تتناسب مع هذه المصالح فقط، ضارباً عرض الحائط بمبادئ العدالة كلها، فيصبح تطبيق هذه العدالة المجتزأة جريمة جديد تضاف إلى الجرائم الأساسية وتصبح مسؤولة عن الجرائم القادمة، لأنها تشجع المجرمين الذين أهملتهم على ارتكاب المزيد والمزيد طالما هم آمنون من العقاب، وتشجع مجرمين آخرين ليقوموا بجرائم أخرى مع طلب الحماية من العقاب بعروض خدمات يقدمونها للجهات صاحبة العلاقة، ولأنها تخلق ظلماً وقهراً كبيرين بانتقائيتها مما يدفع بالتطرف أكثر وأكثر قدماً، ويخلق له بيئة مساعدة لحقها الظلم من العدالة الانتقالية وتزداد الجرائم بشاعة وعنفاً، بما لا يعود ممكناً إحقاق العدالة لاتساع دوائر المتورطين وتشابك الجرائم بفعل ورد فعل، وتضيع الجرائم والمسؤولون عنها في زحمة الخلاص وعفا الله عما مضى. وتبقى النار مشتعلة تحت رماد هشّ ينتظر فرصة أخرى ليقتل أكثر ويدمر أكثر وتبقى الدوامة مستمرة كل مرة بشكل جديد.
“الشرط الوحيد لانتصار قوى الشر، هو عدم تحرك قوى الخير” هذا ما قاله أدموند بورك، أضيف: “أن تفتعل العمى طوعاً لا يعني أنك حر، لكن بكل تأكيد جبان، بكل عيب وعار جبان وأناني” كما يقول المحامي الفرنسي تانغي..
رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، محرر قسم حقوق الإنسان والمجتمع المدني في مجلة طلعنا عالحرية