لماذا هذه الصورة بالذات.. آلاف الصور تنشر يوميا لمعاناة أطفال سوريين.. لكن فجأة تتصدر صورة معينة وسائل الإعلام وصفحات التواصل. وتلقى الصورة اهتماماً كبيراً يزداد مع كل تفصيل جديد عنها.
إيلان الطفل السوري الكوردي بثيابه الزرقاء والحمراء الزاهية ووضعيته الأقرب إلى الحياة من الموت يستلقي كطفل نائم هدّه التعب من اللعب كل اليوم. تبكينا وتؤرق منامنا.. من منا لم يتخيل ابنه مكان آلان؟.. من منا لم يمقت البحر وتمنى أن يعيش عمره في الصحراء!
واليوم تتصدر وسائل التواصل صورة أخرى لطفل سوري مصاب نتيجة القصف على مدينة حلب، لا يتجاوز عمره سنوات خمس، يجلس على كرسي أنيق برتقالي اللون ينتظر تقديم الإسعافات لجروحه. يتحسس وجهه المغبر ليجده رطباً.. ينظر إلى يده ليتعرف سبب الرطوبة إن كان دماً أو ماءًً أو شيئاً آخر.. ثم يمسح يده لينظفها وكأن ما علق بها هو جريمة العالم الوحيدة.. أم هو الطهر المتبقي في هذا العالم الدنس!
التناقض الناتج عن صدمة الطفل يذهلنا ويصدمنا، كيف لطفل بهذا العمر أن يتحمل ألماً بهذا الحجم.. لماذا لا يبكي لا يصرخ!.. لماذا لا ينادي أمه!..هل استوعب أنها قضت وكل العائلة!.. إنه فقط ينتظر بهدوء!
مررنا بآلاف الصور لأطفال وبالغين فارقوا الحياة وتظهر عليهم آثار التعذيب أو تظهر أوصالهم مقطعة أو مشوهة، وهناك مشاهد الذبح والحرق بدم بادر، والتي لا تأخذ هذا القدر من الاهتمام ولا تؤثر في الرأي العام.
هل كلما كانت الصورة أقرب إلى الحياة وإلى المألوف بالنسبة إلينا كانت أقوى تاثيرأً؟ وهل الصور الصادمة ببشاعتها ترغمنا على تجاوزها بسرعة كبيرة؟ هل نخاف أن ينال تشوهها منا؟
عمران ابن الخمس سنوات من مدينة حلب المنكوبة، مصاب يجلس على كرسي أنيق، تحتل صورته وسائل إعلامنا.. نرسم كاريكاتيراً وننتج أفلاماً قصيرة عنه، ونرفق صوراً بجانب صورته لتدلنا على المجرمين الحقيقيين.. نكتب عبارات بجانبه ونرفق صورة لأطفال موتى أو مصابين ونضعه عنواناً لبروفايلاتنا الشخصية.. علنا نُسمع صوتنا أو أنات جراحنا لمن يحس أو يسمع.
لا يبدو حتى الآن أن هذه الصور التي تهز الوجدان والمشاعر قادرة على فعل شيء أمام بلادة العالم سوى ارتفاع قليل في بورصة التعاطف الشعبي، التي تعلو وتهبط مع كل مشهد جديد، وقد تفيد أو تضر هنا وهناك في تفرعات المأساة السورية، وعلى الأخص على صعيد إيواء اللاجئين. أما المحنة السورية المعمّمة فيبدو أنها ستبقى رهينة القرارات الدولية إلى أن يشاء حكام المراكز القساة وعلى رأسهم الإدارة الأمريكية، وذلك في ظلّ عجزنا جميعاً كسوريين عن اجتراح الحلول وتقديم التنازلات التي ربما تكون وحدها الكفيلة بإنهاء عذاباتنا وخساراتنا.
كاتبة صحافية وناشطة سورية من الجولان المحتل، نائب رئيس تحرير طلعنا عالحرية.