“الثورة أنثى”! الشعار الرومانسي الذي تداوله الناشطون منذ بدايات الثورة السورية اليتيمة، والذي أصبح محطّ سخرية تراجيدية في غالب الأحيان، يبدو الآن أكثر راهنية وأكثر صدقاً وحقيقية، بل يمكن القول إنه شرط ضروري ولازم لنمو بذرة الحرية أينما وجدت.
نعم “الثورة أنثى”، والأنوثة هي الحامل الإنساني لكل ميل نحو الحرية.. نحو الولادة، وفي الأنوثة تتكثف مفاهيم السعة والتسامح.. الرحمة والحب.. التمرد وعدم الخضوع لقوانين كليّة، عسكرية كانت أو مدنية حزبية أو دينية.. ذلك أن طبيعة المرأة بالذات وبنيتها النفسية، غير قادرة على الأرجح على إنتاج التعصب، مثلما أنها من الصعب أن تكون قادرة على القتل والذبح والتدمير وتعميم الخراب.
ولأنها كذلك فهي اليوم الخاسر الأكبر في أعاصير الحروب الذكورية الطاحنة التي تخاض على الأرض السورية، وفي كل حرب أخرى. لا تكتفي النزعة الذكورية الظالمة بقتلها بطلقة أو صاروخ أو قذيفة تهدم البيت فوق رأسها ورؤوس أطفالها، ولا بالتهجير القسري والتشريد في البراري، ولا بحصار التجويع والذلّ، ولا بمعتقلات القتل والاغتصاب، إنما تلاحقها إلى ساحات اللجوء في دول العالم، حيث الإذلال والقهر والاستغلال في أبشع صوره.
وما كُشف عنه في لبنان مؤخراً من اغتصاب جماعي واتجار صريح بالبشر لأكثر من 75 من الفتيات اللاجئات اللواتي جئن ينشدن الحماية، لا يكشف فقط عن وجه آخر للبنان قبيح، بل يكشف بشاعة العالم وذكوريته القاهرة. البشاعة التي تتضح أكثر فأكثر ضمن عادية القتل وعادية الاغتصاب وعادية كل الجرائم المتخيلة والتي لا يرفّ لها جفن هذا العالم المتحضر.
بالأمس سمعنا عن الفنانة الجميلة “أنجلينا جولي”، والتي كانت تجوب العالم لتساعد المظلومين ما في وسعها.. يقال إنها على شفا الموت، وأن وزنها -بطولها الفارع- قد تقلص إلى 35 كغم.. ربما تُكثف أنجلينا في ضمور جسدها حالة الأنوثة المنسحبة قسرياً من عالم قاسٍ، لكنها.. تلك الأنوثة الحانية، بقدر ما تغيب في الواقع.. بقدر ما تحضر في أحلام المظلومين الذين سيغيرون وجه العالم يوماً..
كاتبة صحافية وناشطة سورية من الجولان المحتل، نائب رئيس تحرير طلعنا عالحرية.