يغيب ذكر المعارضة السورية طويلاً، ليعود إلى التداول عند أي مؤتمر دولي أو إقليمي، ورغم قلة الإيمان بقدرتها على التأثير عند غالبية السوريين -وحتى من المعارضة نفسها- أمام إرادات القوى الدولية المتصارعة على ساحتنا السورية، إلا أن هذا لا يعفيها من مسؤولياتها ولا من أخطائها التي يرى الكثيرون أنها أودت بنا إلى هذه الأوضاع القاتمة.
لقد ارتبط لفظ “المعارضة السورية” في أذهان كثير من السوريين وغير السوريين بصفة “الانتهازية”. ويبدو أن لهذا الارتباط الكثير من الأسباب والمبررات التي تدعمه وتؤكده، ليس أقلّها خضوع أغلبية هذه المعارضة لأجندات أجنبية وارتهان قراراتها لمصالح الدول التي ادّعت صداقتها للشعب السوري المذبوح.. بل وهرولتها الدائمة لاسترضاء هذه الدول واستجداء الأموال والحلول على أعتابها.
ولا أقلها أيضاً الانفصال شبه التام بين الداخل والخارج، المعارضة التي ارتهنت لمصالح أجنبية، وقفت أيضاً على أرض أجنبية ولم تتصدّ لواجبها القيادي المفترض بالدخول إلى المناطق السورية والوقوف إلى جانب شعبها المسحوق رغم المساحات الشاسعة التي خرج منها النظام لتتولاّها أيادي التطرف السوداء وتنحر ما تبقى فيها من حياة آدمية. وبينما كان شباب الثورة يُسحلون ويُقتلون على أيدي أجهزة النظام وجماعات التطرف، كانت معارضة الخارج تتنقل بين فندق وآخر… تطحن الماء ولا تغرف إلا الأكاذيب.
أضف إلى ذلك ما عرف عن هياكل المعارضة التنظيمية وما تعانيه من فساد واستبداد، وانفصال ما بين القواعد والهيئات العامة والقيادات النافذة، والتي عودت الجميع على الانفراد بالقرارت المصيرية.
لكن، ومن بين كل الأسباب التي تُساق للتدليل على انتهازية المعارضة يبدو أنه لا أدلّ على ذلك من سعي الكثيرين منها منذ بدايات الثورة لركوب الموجة الإسلامية، فلقد بنى قياديون في المعارضة، حتى أشدهم علمانية، بنوا استراتيجيتهم على قاعدة أنه “لا يفلّ الحديد إلا الحديد”، ولا يستطيع مواجهة شراسة النظام إلا ظلامية توازيه أو تتفوق عليه شراسة..! ولقد رأيناهم في مراحل عديدة ولا زلنا نراهم طربين ومنشرحي الصدور لانتصارات موهومة لقوى الظلام التكفيرية.
لم تستطع هذه المعارضة -التي أدمنت العجز لعقود طوال- تبرئة نفسها من وصمها بالانتهازية، ولا استطاعت الانخراط الحقيقي في الصراع، ولا أيضاً سعت لحلٍّ سياسي كان من شأنه إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فلقد كان حلمها المعلن الوصول إلى الحكم على ظهر خيل “إسلامية”، متناسية أن التطرف ليس ذلك الخروف الأليف الذي نربيه لنذبحه في العيد المقبل، إنما هو وحش ضارّ يلتهم البشر والحجر، التاريخ والحاضر والمستقبل، وليس من شأنه أن يبني الدول والمجتمعات، إنما شأنه فقط أن يؤجج الحرب والنزاعات الطائفية، وأن يستجلب وحوش الأرض لتقصف ما لم يقصفه النظام.
لا نعرف ماذا ترسم لنا الدول الكبرى اليوم في مجلس “أمنها”، لكننا نعرف أن شعبنا المخذول الذي سئم ويلات الحرب والقتل والتدمير والشتات يريد أمنه قبل كلّ شيء، وقد بات من حقه على كل من زاود في تمثيل مأساته في المحافل الدولية أن يتواضع أمام دماء الناس وآلامها.. وأن يسعى لأي حلّ قد يوقف النزيف ويضمّد الجراح.. ويضع العجلة على سكتها الصحيحة حتى لو ابتعد قليلاً حلم الحرية الأول.
كاتبة صحافية وناشطة سورية من الجولان المحتل، نائب رئيس تحرير طلعنا عالحرية.